سنقطعها أو بذكر الأماكن التى يجب أن نحط فيها للمبيت. وكنت إذا سألته عن ذلك أجابنى بقوله «الله يسهل علينا!» فإذا ألححت عليه طالبا منه جوابا صريحا قال «الله أكبر! إن الله قادر على أن يطيل المسافات أو يقصرها». فهو يظن أن من التطاول على قدرته تعالى أن يتحدث عن المستقبل فى شىء من الجزم واليقين ، وأن هذا قد يكون مجلبة للشؤم على الرحلة ، وهو اعتقاد كثيرين من العرب ، لذلك قل منهم من يتحدث إليك فى ما ينبغى عمله دون أن يضيف إلى حديثه عبارة «إن شاء الله». ولكن دليلى الشيخ لا يرضى بالتورط ولو إلى هذا الحد ، وكان دأبه التهرب من الحديث عما نحن مقبلون عليه. قلت له وهو يسألنى الملاية الموعودة قبيل افتراقنا «الله يسهل لك» ، وهى عبارة تقال عادة للسائل إذا أريد صرفه فى رفق. قال «لا ، إنى أسألك أنت هذه المرة أن تسهل لى». فنفحته بالملاية وبشىء من النقود ، وأنا واثق أن أبا سعد لن ينسانى قط. وقدمت غدارتى هدية لحسن كاشف وأنا استأذنه فى الرحيل ، لأننى وجدتنى على الجملة راضيا عن مسلكه معى. ولكنه كان معكر المزاج ، فأخبرنى أنهما لا تليقان برجل من آل كاشف ، وأنه يريد غدارتين طويلتين مما يحمله المماليك فى سروجهم. فوعدته بزوج منها ، وافترقنا على هذا الوعد. وقد كتبت إلى القاهرة منذ قليل فى طلب الغدارتين ، وسيدهش كاشف حين يتلقاهما ، فليس من المألوف فى بلاد الشرق أن يذكر الناس فضلا لامرىء أصبحوا فى غنى عن خدماته (١).
ويستطيع السائحون فى النوبة أن يسافروا مطمئنين حتى وادى حلفا على الأقل مادامت مصر تتمتع بحكومة مستقرة يحترمها حكام النوبة. ولو أن فى مصر حكومة لا يخشاها أبناء كاشف لما استطاع المسافر أن يتجاوز الدر ، ولجردوه هناك من ماله وردوه على عقبيه. ومهما يكن من أمر ، فلا غنى للمسافر عن التزود قبل سفره بالهدايا لا سيما إذا اتفق وجود الإخوة الثلاثة فى الدر ،
__________________
(*) وفى أكثر بلاد الدنيا ، بل ربما كان من أهل الشرق من هو أكثر وفاء من غيره (غربال).