ظهرت استعداداته مما بشر بنبوغه المبكر ، وقد كان نحيف البنية لذلك عني به أبوه عناية كبيرة ، فحدب على رعاية صحته ، وسهر على تربيته وتعليمه ، ونظرا لمنزلة والده ولما تمتعت به أسرته من مكانة نال ابن العديم حظه وافيا من معارف عصره الدينية والدنيوية ، ويروى بأن اباه حضه على اتقان قواعد الخط ، ذلك أنه ـ أي الأب ـ كان رديء الخط ، فأراد أن يجنب ابنه هذه الخلة ، ونجح في هذا المجال نجاحا كبيرا جدا ، وقد وصف ياقوت اتقان ابن العديم لقواعد الخط العربي بقوله : «واما خطه في التجويد والتحرير والضبط والتقيد فسواد ابن مقلة ، وبدر ذو كمال عند علي بن هلال» ، ويؤكد شهادة ياقوت هذه المجلدات العشرة من كتاب بغية الطلب التي وصلتنا بخط ابن العديم ، حيث نرى واحدا من المع النساخ في تاريخ العربية وأكثرهم ضبطا وبراعة وأمانة ويقظة ودراية.
وفي باب العناية في إنشاء ابنه وتثقيفه صحب أحمد بن هبة الله ولده عمر في رحلاته وأسفاره ، حيث زار دمشق أكثر من مرة كما زار بيت المقدس ورحل إلى العراق والحجاز.
وعندما بلغ سن الشباب وجد ابن العديم السبل أمامه كلها مفتوحة لمستقبل لامع ، وكان لمواهبة وثقافته وأسرته الفضل الأكبر في تحقيق نجاحاته ، وهنا يحسن التوقف قليلا للتعرف إلى اسرة ابن العديم ، وذلك قبل متابعة الحديث عن مراحل حياته :
يعرف الجد الأعلى للصاحب كمال الدين باسم ابن أبي جرادة ، وكان