حاجة للعسكر به. وكانت هذه أعظم من فعل انطياخوس. وقيل : إنه أمر أن ينفق على القناة إليها فأنفق نائبه مالا على القناة ، وأجرى الماء فيها من عين المباركة ، وساقها إلى القناطر إلى قنسرين ؛ وبنى بها ثلاث برك على شكل المثلث ، وفايضها ينحدر إلى الأرضين التي تحتها.
وصار الملك بعده إلى جماعة من القياصرة ملوك الروم. وصارت أنطاكية دار الملك ، وبها مقام ملوك الروم ؛ وكانوا يدعونها مدينة الله ، ومدينة الملك ، وأم المدن ، لأنّها أول بلد ظهر فيه دين النصرانية (١). ومعظم سور مدينة حلب من بناء الروم.
وملك منهم ملك يقال له : فوقاس (٢) فسفك الدماء ، وتتبع حاشية كسرى ، فقتلهم ؛ فتوجه كسرى أنو شروان إلى الشّام فافتتح حلب ، وأنطاكية ، ومنبج ، ورمّ ما استهدم من سور مدينة حلب بالقرميد الكبار ، وهو ظاهر في سور المدينة الكبير ، فيما بين بابي اليهود والجنان. وجدّد كسرى بناء منبج وسمّاها منبه ؛ وهو بالفارسية : أنا اجود ، فعرّبت فقيل منبج.
واستحسن أنطاكية فلما عاد إلى العراق بنى مدينة على صورتها ، وسماها ريد خسره ، وهي التي تسمى رومية ، وأدخل إليها سبي أنطاكية ، فقيل إنهم
__________________
(١) في هذه العبارة دقة كبيرة ، فبعد ما نجح بولس الرسول (شاول) في مزج تعاليم السيد المسيح بالغنوصية ، بات اسم العقيدة الجديدة النصرانية ، وعلى هذا قال بولس لأتباعه في أنطاكية إثر نجاحه : أنتم آخر الجليليين وأول النصارى. انظر الموسوعة العربية الميسرة.
(٢) وصل فوقاس إلى عرش الامبراطورية البيزنطية سنة ٦٠٢ م ، إثر مقتل الامبراطور موريس ، وقد عزل سنة ٦١٠ م من قبل هرقل الذي قدم من قرطاج ونصب نفسه امبراطورا.