لم ينكروا من منازلهم شيئا فانطلقوا إليها إلا رجل اسكاف ، كان على باب داره بأنطاكية شجرة فرصاد (١) ، فلم يرها على بابه ذلك ؛ فتحيّر ساعة ؛ ثم دخل الدار ، فوجدها مثل داره.
ولما عاد كسرى عن الشام ، قام هرقل بن فوق بن مروقس وجمع بطارقة الروم ، وأولي المراتب ؛ وذكر لهم سوء آثار فوقاس ملك الروم ؛ وغلبة الفرس على ملكهم بسوء تدبيره ، وإقدامه على الدماء ؛ ودعاهم إلى قتله فقتلوه ؛ ووقع اختيارهم على هرقل فملّكوه.
وفي أول سنة من ملكه كانت هجرة نبيّنا محمّد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ من مكة إلى المدينة (٢) ؛ واستولى على حلب ، وعلى جميع البلاد ، التي استولى عليها أنو شروان وكان جلّ مقامه بأنطاكية.
فلما افتتح المسلمون أجناد الشام (٣) ، وكانت وقعة اليرموك ، وقتل
__________________
(١) الفرصاد شجر التوت ، وتوسع ابن العديم في كتابه بغية الطلب في هذا الباب انظر ج ١ ص ٦٥ ، ٩١ ـ ٩٢ ، ١٠٦ ـ ١٠٧.
(٢) اعتلى هرقل العرش في بيزنطة سنة ٦١٠ م ، ويقابل سنة الهجرة الأولى سنة ٦٢٢ م. انظر الدولة البيزنطية في عصر الامبراطور هرقل تأليف د. ليلى عبد الجواد اسماعيل ـ ط. القاهرة ١٩٨٥ ص ٦١ ـ ٧٤.
(٣) أشرت من قبل إلى تقسيمات بلاد الشام اداريا قبل الفتح العربي الاسلامي ، وبعد الفتح قام العرب باعادة النظر في هذا التقسيم في ضوء تبدل الجغرافية السياسية لبلاد الشام. فهذه البلاد باتت جزءا من دولة الخلافة التي مركزها الآن المدينة المنورة. ولم تعد تتبع روما الغربية أو الشرقية بل تعاديها. لذلك قسم العرب البلاد أولا إلى أربعة أجناد هي : جند دمشق ، وجند حمص ، وجند الأردن ، وجند فلسطين ، وفي العصر الأموي أيام يزيد بن معاوية قسم جند حمص إلى قسمين هما : جند حمص وجند قنسرين.