يبرز دور النقد الأدبي حضارياً من خلال تحليله لعناصر التجربة بحثاً عن فكرها ودلالتها ، ومدى ارتباطها بالأحداث الذاتية والإنسانية » (١).
ومهما يكن من أمر فإن طبيعة البحث الدلالي في نظرية المحدثين من عرب وأوروبيين ، لا تعدو إطار التعريف لكل من الدال والمدلول وعلاقة الألفاظ والمعاني ، ومشاركة هذه العلاقة في إرساء دعائم الحضارة الإنسانية ضمن إشارات ثقافية ولمسات منهجية بأسلوب تغلب عليه السلاسة حيناً ، والنعومة حيناً آخر ، والتعقيد في المؤدي ثالثاً ، وتزاحم الألفاظ ، وتغاير التعبيرات ، وتراكم الصيغ بين هذا وذاك في كثير من الأحيان.
ونحن بدورنا نؤيد ما أورده الدكتور إبراهيم أنيس في عدم وضوح الرؤية لدى هؤلاء الباحثين في التفرقة بين أصول الدلالات ومحدثاتها فهم يتجاهلون تأثير العامل التأريخي في اكتساب الألفاظ دلالتها بمرور الزمن ، فيقول : « والأمر الذي لم يبدُ واضحاً في علاج كل هؤلاء الباحثين هو وجوب التفرقة بين الصلة الطبيعية الذاتية والصلة المكتسبة ، ففي كثير من ألفاظ كل لغة نلحظ تلك الصلة بينهما وبين دلالتها ولكن هذه الصلة لم تنشأ مع تلك الألفاظ أو تولد بمولدها وإنما اكتسبتها اكتساباً بمرور الأيام وكثرة التداول والاستعمال.
وهي في بعض الألفاظ أوضح منها في البعض الآخر ، ومرجع هذا إلى الظروف الخاصة التي تحيط بكل كلمة في تأريخها وإلى الحالات النفسية المتباينة التي تعرض للمتكلمين والسامعين في اثناء استعمال الكلمات » (٢).
وهذا تعقيب يعنىٰ بالجانب التاريخي للفظ من جهة وبالجانب النفسي من جهة أخرى.
وهذان الملحظان لم يغب تصورهما الدقيق عن الذهن العربي الإسلامي في القرون السابقة وهو ما ستجده فيما بعد.
________________
(١) عناد غزوان ، المرجع السابق : ٣٢ وما بعدها.
(٢) إبراهيم أنيس ، دلالة الألفاظ : ٧١.