ولعل عميد الأدب العربي المرحوم الدكتور طه حسين ( ت : ١٩٧٣ م ) قد أجمل المنظور القديم والحديث في دلالة الألفاظ على شكل تساؤل إيحائي في إطار نقدي يُعنى بمفهوم الأدب فقال : « وما عسى أن تكون هذه الصياغة ، أهي التأليف بين المعاني أو بين هذه الصور لتلتئم وتأتلف ، والدلالة عليها بالألفاظ التي يؤديها إلى القراء ؟ أم هي شيء آخر ؟ فإن تكن الأولى ففيم الأخذ والرد والجدال الطويل وقد قلت لهم : إن الألفاظ وحدها لا تغني شيئاً ، وإنّ الأدب لا يكون إلا إذا ائتلفت المعاني بينهما ، وائتلفت الألفاظ فيما بينها وبين المعاني ، كان الجمال الفني هو الذي ألف بينها فأحسن التأليف ، وإن تكن الصياغة شيئاً آخر فما عسى أن تكون » (١).
هذه روح الدلالة عند العرب بأسلوب واضح كما سترى ، لأن الفروق التعبيرية بين حالتين ـ كما هو الظاهر ـ عند المحدثين من الأوروبيين والقدامى من العرب ، تتجلى في نتائج البحث عن الدلالة ، فكأنك لا تلمس شيئاً محسوساً في التعبير الحديث ، بينما تضع بصماتك على الأثر الجلي في المدرسة الدلالية عند العرب ، فهناك الألفاظ الأخاذة دون حصيلة مجدية ، وهناك الأصالة العلمية في المقدمات والنتائج الموضوعية ، ولا يعني هذا العرض الغض من معطيات المدرسة الحديثة بقدر ما يعني الاعتداد بما أسداه الأوائل ضمن صفائهم الفطري للموروث الحضاري الأنساني المتصاعد.
ولا بد لي من الوقوف قليلاً بل الإشارة تلميحاً إلى ما حققه إثنان من علماء الأمة العربية المعاصرين بل علمان من أعلامها : في مجال التنظير الدلالي في رؤية تراثية تستلهم القرآن العظيم عند الأول ، والشعر العربي القديم عند الثاني :
١ ـ لقد استلهم أستاذنا وصديقنا العلامة المرحوم الدكتور أحمد عبد الستار الجواري روح الدلالة في المنظور القرآني من خلال حذف القول في العبارات القرآنية التي تدل معانيها على مرادها ، دون استخدام الألفاظ لهذا الغرض ، مما يحمل السامع على توقع أمر ذي بال ، كما هي الحال في
________________
(١) طه حسين ، خصام ونقد : ١٠٢.