الانقطاع والالتفات وسواهما في عبارة القرآن فيقرع بهما أسماعاً غير واعية ، ويهز مشاعر غير صاغية ، يقول المرحوم الجواري :
« ومما يكثر وروده في العبارة القرآنية حكاية القول دون العناية بذكر القول ، وهو أشبه ما يكون بلوحة أسقط منها ما لا حاجة به من خطوط ابتغاء التنويه بجوهر الموضوع ، صورة قصد فيها إلى إهمال ما لا يتعلق بالمعنى أو الفكرة التي أريد التعبير عنها ، والالتفات إلى الأصل والأساس. ولو اتصل الكلام لما أثار قدراً من الانتباه والاهتمام مثل الذي يثيره الانقطاع ، كالذي يسير في طريقٍ ممهدةٍ لاحبةٍ ، تقوده قدماه حتى لا يعود يتلفت حوله ، ولا يثنيه لما يحيط به حتى يفاجئه انحراف في الطريق ، أو التواء ، أو انقطاع ، يسلم إلى منحدر أو مرتقى فيفتح عينيه ، ويرهف حواسه بعد ذلك الانقطاع » (١).
وينظر إلى هذا الملحظ بالتأمل في قوله تعالى :
( فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِئِ الْوَادِ الأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ المُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَىٰ إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (٣٠) وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّىٰ مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَىٰ أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الآمِنِينَ (٣١) ) (٢).
٢ ـ وقد استفاد أستاذنا الجليل الدكتور جميل سعيد عضو المجمع العلمي العراقي أن في لغة الشعر الجاهلي ألفاظاً استعملت ولا يسدّ غيرها مسدّها. وكانت تلك الألفاظ قد استخدمت في لغة التخاطب والحديث « تلك اللغة ذات الألفاظ الواضحة المتداولة المفهومة ، يقولها ـ امرؤ القيس ـ : وكأنه لا يرى استبدال هذه الألفاظ بغيرها يسد مسدها ، يتذكر الحوار ، ويعيد الحديث الذي سلّى به صاحبه ، يعيده وكأنه يرى فيه تسلية وعزاء لنفسه ، يقول (٣) :
بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه |
|
وأيقنْ أنا لاحقان بقيصرا |
فقلت له : لا تبك عينك إنما |
|
نحاول ملكاً ، أو نموت فنعذرا |
________________
(١) أحمد عبد الستار الجواري ، نحو القرآن : ٣٨.
(٢) سورة القصص : ٣٠ ـ ٣١.
(٣) امرؤ القيس ، الديوان : ٧٢.