فلغة الشعر عند امرئ القيس وسواه تهبط إلى لغة الحديث التي يتبع بها أسلوب الحوار ، وأسلوب السؤال والجواب ، ولغة الحديث هذه ، هي لغة النثر التي يقصد بها الأفهام. ومن هنا تكون واضحة ذات جمل قصيرة ، وتكون بعيدة عن الصناعة اللفظية التي تعمد إلى التزويق في الألفاظ ، وإلى الاستعارات والمجازات » (١).
فكأن الغرض الفني عند العربي بفطرته ـ كما يرى ذلك أستاذنا الدكتور جميل سعيد ـ أن يقصد بالألفاظ إيصال المعنى المراد إلى المتلقي بما يفهمه ويسبر غوره ، وتلك روح الدلالة عند العرب.
ولعل في تعقب الصفحات الآتية ما يعطي صيغة مقنعة أو مرضية في هذا المنحنى المقارن الذي لا يخلو من طرافة استدلالية على صحة هذا المنظور المجرد عن الحساسية والإثارة بقدر ما هو أصيل في مصادره الريادية الأولى ، عسى أن يكون ذلك مؤشراً ينبه على قيمة هذا التراث بين هذه السطور التي لا تعدو كونها نماذج في مسيرة الدلالة.
________________
(١) جميل سعيد ، لغة الشعر « بحث » مستقل من المجلد الثاني والعشرين من مجلة المجمع العلمي العراقي ، مطبعة المجمع ، بغداد ١٩٧٣.