ويقسم المعاني على أقدار المقامات ، وأقدار المستمعين على أقدار تلك الحالات ) (١).
وهو بهذا يريد أن يتحدث عن الدلالة في ابعادها المخصصة لها فلا تتعدى حدودها ولا تتجاوز مفهومها ، وإن ربط بينها وبين عقلية المتلقي في مطابقة المقال لمقتضىٰ الحال كما يقول البلاغيون ، أو مطابقة الكلام لمناسبة المقام.
٣ ـ وأبو الفتح ، عثمان بن جني ( ت : ٣٩٢ ه ) يعود بدلالة الألفاظ عند اختراعها وابتكارها وموضعتها إلى أصول حسية باديء ذي بدء حين تكلم عن ذلك.
وذهب بعضهم إلى أن أصل اللغات كلها إنما هو من الأصوات المسموعات كدوي الريح ، وحنين الرعد ، وخرير الماء ، وشحيج الحمار، ونعيق الغراب ، وصهيل الفرس ، ونزيب الظبي ، ونحو ذلك ، ثم ولدت اللغات عن ذلك فيما بعد.
« وهذا عندي وجه صالح ، ومذهب متقبل » (٢).
وكما ربط ابن جني بين الحس والأصداء والأصوات والانفعالات وبين ابتكار الألفاظ في أصولها الأولىٰ ، وترجيحه للرأي القائل بهذا على أساس تأثر الاستخراج النطقي بهذه المداليل الصوتية ، فتكونت الكلمات ، وتراصفت الألفاظ شدة وانطباقاً ورخاوة ، فقد ربط بين استقرار هذه الألفاظ ، وتمام فائدة الصوت الذي قد يكون مهملاً ، وقد يكون مستعملاً ، وعقد لذلك مقارنة دقيقة في استكناه الفروق المميزة بين الكلام والقول وإن هذا له دلالة وذلك له دلالة ، وذلك أول مباحث علم دلالة الألفاظ في صيغتها الاصطلاحية السليمة.
يقول ابن جني في هذا الملحظ : ـ ( ومن أدل الدليل على الفرق بين الكلام والقول : إجماع الناس علىٰ أن يقولوا : القرآن قول الله ، وذلك إن
________________
(١) الجاحظ البيان والتبيين : ١ / ١٣٩.
(٢) ابن جني ، الخصائص : ١ / ٤٦ ـ ٤٧.