هذا موضع ضيق متحجر لا يمكن تحريفه ، ولا يسوغ تبديله شيء ، فعبر لذلك عنه بالكلام الذي لا يكون إلا أصواتاً تامة مفيدة ، وعدل به عن القول الذي قد يكون أصواتاً غير مفيده ، وآراء معتقدة (١).
وفي الملحظ نفسه نجده يتلمس المناسبة بين كلمتي المسك والصوار (٢).
ويستمر ابن جني في المنظور التطبيقي لدلالة الألفاظ فيستنبط العلاقة الدلالية لمادة ( جبر ) بكل تفريعاتها المتناثرة كالجبر والجبروت والمجرب ، والجراب.
فيجد في قوتها وصلابتها وقسوتها وشدتها معنىً عاماً مشتركاً بين مفرداتها تجمعه القوة والصلابة والتماسك (٣).
ولا يكتفي بذلك حتى يعقد في كتابه المذكور فصلاً بعنوان ( تصاقب الألفاظ لتصاقب المعاني ) وباباً آخر لمناسبة الألفاظ للمعاني ، وقال عنه : إنه موضع شريف لطيف ، وقد نبّه عليه الخليل(٤).
وإليك هذا النص الدلالي كما يقوّمه ابن جني : ـ
« فأما مقابلة الألفاظ بما يشكل أصواتها من الأحداث فباب عظيم واسع ، ونهج متلئب عند عارفيه مأموم ، وذلك أنهم كثيراً ما يجعلون أصوات الحروف على سمت الأحداث المعبر عنها فيعدلونها بها ، ويحتذونها عليها ، وذلك أكثر مما نقدّره ، وأضعاف ما نستشعره ، ومن ذلك قولهم خضم وقضم ، فالخضم لأكل الرطب ... والقضم لأكل اليابس » (٥).
٤ ـ أما أحمد بن فارس ( ت: ٣٩٥ ه ) فيعد بحق صاحب نظرية في دلالة الألفاظ ، فكتابه مقاييس اللغة يُعنى بالكشف عن الصلات القائمة بين
________________
(١) المصدر نفسه : ١ / ١٨.
(٢) المصدر نفسه : ٥٠٧.
(٣) المصدر نفسه : ٥٢٥.
(٤) ظ : للتفصيل في الموضوع : السيوطي ، المزهر : ٤٧ وما بعدها.
(٥) ابن جني ، الخصائص : ١ / ٦٥.