وإذا أمعن الناظر فيه علم أن معناه يحتاج إلى استنباط ، والمراد به أنه إذا اجتمع الناس على أن أول شهر رمضان كذا يوم ، ولم يكن ذلك اليوم أوله فإن الصوم صحيح ، وأوله هو ذلك اليوم الذي اجتمع الناس عليه ، وكذا يقال في يوم الفطر ويوم الأضحىٰ ، ولهذا الخبر المشار إليه أشباه كثيرة ، تفهم معاني ألفاظها مفردة ، وأذا تركبت تحتاج في فهمها إلى استنباط » (١).
ورأي ابن الأثير في التقرير والتنظير سليم ، وفي الشرح والإرادة مناقش مفهوماً وشرعاً ، إذ يرجع بذلك عادة إلى الفقهاء عندما يراد تقرير حكم من الأحكام ، إذ ما قيمة صيام يوم وهو ليس من رمضان عند الله وهو رمضان عند الناس ، وما أهمية عيد الناس وهو رمضان عند الله وأنىٰ يحصل هذا الاجتماع المشار إليه. وهذا من عيوب ابن الأثير الذي تؤخذ عليه أن معتد بنفسه اعتداداً لا يحسد بل لا يحمد عليه ، وإن أحكامه قطعية غير قابلة للأخذ والرد ، وأنه لا يقلب الوجوه المحتملة للنص ، والأولى بالنسبة لهذا الخبر أن يفسر دلالة الألفاظ التي يستنبطها ابن الأثير بأحد وجهين أو بهما معاً لا من باب القطع بأن هذا هو مراد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ولكن من قبيل الانطباق ولا مانع أن يدل على معنى لم نهتدِ إليه ، والوجهان هما : ـ
أ ـ إنّ يوم صومكم وفطركم وأضحاكم ، إنما يتحدد بثبوت الهلال ولثبوته طرق شرعية معروفة لدى الفقهاء ، وهذا اليوم ثابت لكم أيها المسلمون إذا حصل فيه الشياع العام ، بحيث لا تحتاج رؤية الهلال إلى شهود إثبات ، فهو شائع وظاهر في السماء لا يختلف به اثنان وبذلك يكون واقعياً لتواتر القول من قبل الصغير والكبير والقريب والبعيد بوجود الهلال في السماء دون ريب. هذا إذا كان المراد هو الحديث عن هذه النقطة دون غيرها ، أما إذا كان الحديث إرشادياً عبادياً تربوياً فقد يراد به المعنى العرفاني الذي يغلب على الظن إرادته من قبل المنقذ الأعظم لأنه واقعي الدلالة وإنساني الإرادة وهو الوجه التالي : ـ
________________
(١) ابن الأثير ، المثل السائر : ١ / ١١٦ وما بعدها.