ب ـ إنّ صومكم أيها المسلمون ، عبارة عن أيام معدودات ، وفيه المتقبل غير المتقبل ، وفيه الخالص وفيه المشوّب ، وفيه الامتناع عما يسخط الله ، والله عزّ وجلّ يريد لهذه الأيام أن تكون متتابعة في القبول ، ومتاوقة بالرضا ، فيوم صومكم يوم تصومون واقعاً بشرط الصيام وشروطه ، صيام الجوارح والأعضاء والأجهزة كافة ، عن النظر المحرم والغيبة والنميمة والكذب والسعي في غير طاعة الله مضافاً إليه الأكل والشرب من الفجر إلى الغسق ، فيكون حينئذٍ خالصاً لله دون رياء أو دجل أو جهل أو إغماض ، وإن فطركم يوم تفطرون ، مغفوراً ذنوبكم ، ومتجاوزاً عن سيئاتكم ، ومقبولاً ما مضى من صيامكم ، ومباركاً عليكم في الأجر والثواب والإنابة وإن لم يتحقق ذلك فليس لكم يوم فطر بالمعنى الدقيق وإن فطرتم ، لأن يوم تفطرون هو ذلك اليوم الذي يكون للمسلمين عيداً ولمحمدٍ وآله ذخراً وشرفاً ومزيداً ولا يكون ذلك إلا مع الصوم المتقبل ، والعيد الذي يأمن به المسلمون الوعيد.
وإن أضحاكم يوم تضحون ، وقد تكاملت مناسك الحج على سنتها وتعاقبت على فروضها ، فعاد حجكم مبروراً ، وسعيكم مشكوراً ، وذنبكم مغفوراً ، لأداء هذا الفرض بموازينه ودقائقه فذلك هو اليوم الواقعي لأضحاكم ، لانسلاخكم فيه عن الخطايا كما سلخت الأضاحي وكل هذا مما تنهض به دلالة الألفاظ ونحن نتدارس هذا النص في ضوء معطياتها البلاغية والنقدية واللغوية.
وفي دلالة الألفاظ على معانيها مسبوكة ، يشير ابن الأثير إلى موقع اللفظ من النظم وإلى أهمية النظم في تقويم دلالة اللفظ فيقول : « بل أريد أن تكون الألفاظ مسبوكة سبكاً غريباً ، يظن السامع أنها غير ما في أيدي الناس وهي مما في أيدي الناس » (١).
ويريد بالسبك الغريب هنا كما هو واضح من دلالة اللفظ ، السبك الطريف ، لا الإيغال الوحشي.
________________
(١) ابن الأثير ، المثل السائر : ١ / ١٢٢.