ومع ذلك فهو لا يهمل المعاني حينما يؤكد على الألفاظ بل يريد دلالتها متوازنة متسقة فيقول : « ومع هذا فلا تظن أني أردت إهمال جانب المعاني بحيث يؤتى باللفظ الموصوف بصفات الحسن والملاحة ، كان كصورة حسنة بديعة في حسنها إلا أن صاحبها بليد أحمق ، والمراد أن تكون هذه الألفاظ المشار إليها حسماً لمعنى شريف » (١).
ويؤكد ابن الأثير على المعنى الدلالي بمنظور يقابل المنظور السابق فيقول عند حديثه عن الإيجاز : « والنظر فيه إنما هو إلى المعاني لا إلى الألفاظ ، بحيث تعرى عن أوصافها الحسنة ، بل أعني أن مدار النظر في هذا النوع ، إنما يختص بالمعاني فرُبَّ لفظ قليل يدل على معنى كثير ورب لفظ كثير يدل على معنى قليل » (٢).
والدقيق المضني عند ابن الأثير أن يعقد المقالة الأولىٰ من كتابه « المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر » للصناعة اللفظية فيبحثها من جميع وجوهها : الشكلية والسمعية والبيانية ويقسم كل ذلك بدقة وشمولية واستيعاب إلى قسمين : ـ
القسم الأول في اللفظة المفردة ، والقسم الثاني في الألفاظ المركبة ويستغرق ذلك أكثر من مئتي صحيفة » (٣).
وفي جميع هذه البحوث الطائلة نجده يبحث تفصيلات واسعة المداليل ، ولكنه لا ينسىٰ نظريته في دلالة الألفاظ أو المعنى الدلالي عند التراكيب يقول : ـ
« واعلم أن تفاوت التفاضل يقع في تركيب الألفاظ أكثر مما يقع في مفرداتها لأن التركيب أعسر وأشق ألا ترى ألفاظ القرآن الكريم ـ من حيث انفرادها ـ يفوق جميع كلامهم ، ويعلو عليه ، وليس ذلك إلا لفضيلة التركيب » (٤).
________________
(١) المصدر نفسه : ١ / ١٢٣.
(٢) المصدر نفسه : ٢ / ٢٦٥.
(٣) المصدر نفسه : ١ / ٢١٠ ـ ٤١٦.
(٤) المصدر نفسه : ١ / ٢١٣.