كما كتب الفاكهى مؤرخ مكة المتوفى سنة ٢٧٢ ه كتابا فى «تاريخ مكة» أشاد به الفاسى ، حيث ذكر أن كتابه فى أخبار مكة حسن جدا ، لكثرة ما فيه من الفوائد النفيسة ، وفيه غنية عن كتاب الأزرقى ، وكتاب الأزرقى لا يغنى عنه ، لأنه ذكر فيه أشياء كثيرة حسنة مفيدة جدّا لم يذكرها الأزرقى ، وأفاد فى المعنى الذى ذكره الأزرقى أشياء كثيرة لم يفدها الأزرقى.
ولا شك أن الفاكهى دوّن فى كتابه المعلومات التاريخية التى تجمعت حتى ذلك الوقت لدى أهل طبقته عن مكة ، فكتب عن تاريخها القديم قبل الإسلام على ضوء القصص والروايات التى تناقلتها الأجيال جيلا بعد جيل.
وقد ظل الفاكهى لفترات طويلة تجاوزت عصره ، من أبرز وجوه مكة الفكرية لدى مؤرخى مكة.
وقد استفاد مؤرخو مكة اللاحقون إلى حد بعيد من كتاب الفاكهى ، كما أفادت منه المؤلفات اللاحقة حتى عصر الفاسى ومن بعده.
وبعد إسهامات كل من الأزرقى والفاكهى انقطع التأريخ تقريبا للحجاز منذ أواخر القرن الثالث الهجرى إلا ما يتصدق به عليه المؤرخون الطارئون تكريما للمدن المقدسة ، وتعريفا بها ، وإشادة بفضائلها.
وقد أكد على ذلك الفاسى بعد أن ذكر فضل السبق فى تدوين تاريخ مكة لكل من الأزرقى والفاكهى ، فقال : «وكانا ـ أى الأزرقى والفاكهى ـ فى المائة الثالثة ، ومن عصرهما إلى تأريخه ـ شفاء الغرام ـ خمسمائة سنة ونحو أربعين سنة وأزيد ، ولم يصنف بعدهما فى المعنى الذى صنفا فيه أحد ... وإنى لأعجب من إهمال فضلاء مكة بعد الأزرقى للتأليف على منوال تاريخه ، ومن تركهم تأليفا لتاريخ مكة يحتوى على معرفة أعيانها ، من أهلهم وغيرهم ، من ولاتها وأئمتها وقضاتها وخطبائها وعلمائها ، كما وضع فضلاء غيرها من البلاد».
وكيفما كان الأمر فقد افتتح مدرسة التاريخ فى مكة تقى الدين الفاسى ، أعظم أساتذتها بآثاره الخالدة ، والتى برز فيها فيما بعد : النجم عمر بن فهد المتوفى