وداست أقدامهم أرض الأندلس. إنّما بعد اندلاع الثورات الخارجية ـ البربرية ، طغى الطابع العسكري على هذه المقاطعة دون أن تخبو الإدارة المدنية المرتبطة بكثرة المدن والسّكان.
لقد عيّنت شخصيات كبيرة كعمّال على الزّاب ، ولفظة" عامل" مرنة قابلة للتكييف يمكن تطبيقها على مجرّد مجمّع للضرائب أو بالعكس على وال حقيقي ممتدّ الصلاحيات من مثل الفضل بن روح. بل أكثر من ذلك وفي آخر لحظات هذه الفترة ، كان إبراهيم بن الأغلب يحمل لقب" أمير الزّاب" ، ولفظة أمير تعني في الوقت نفسه أوّلا القيادة العسكرية وبعد ذلك السّلطة الشاملة. ويبدو واضحا أنّ الرّشيد عيّنه في هذا المنصب مباشرة متجاوزا بذلك سلطة الوالي العكّي (١). إنّما كان ابن الأغلب دائما تبعا للوالي العامّ ، على الأقلّ نظريا ، مع أنه كان يتصرّف إزاءه كالزميل والند في الواقع. فهناك شيء من الالتباس في هذه العلاقة بين والي إفريقية ووالي الزاب وفوقهما الخليفة ، أي بين الثالوث المتحكّم في مصائر البلاد بالمعنى الواسع والمؤسّساتي في آن واحد.
ولقد برزت في نفس الوقت طرابلس كملجأ للسلطة القيروانية المهدّدة آنذاك على الدّوام ، إمّا في أوّل العهد العبّاسي من طرف الخوارج ، وإمّا في آخر فترة الولاة من طرف الجند. وممّا له معنى أنّ والي طرابلس في هذه اللحظة الأخيرة كان يموضع نفسه كالمدافع عن السّلطة الشرعية القائمة أي سلطة والي القيروان.
وما له معنى أكثر أنّ الثوار من الجند كانوا يعتبرونه كذلك. فابن الجارود مثلا ، قائد انتفاضة تونس ، توجّه إلى والي طرابلس كي يستولي على السلطة الشرعية في القيروان مكان الوالي الذي أخرج منها.
يقول ابن العذاري (٢) : «وفي سنة ١٧٩ ، كتب ابن الجارود المتغلب على إفريقية إلى يحيى بن موسى وهو بإطرابلس أن : أقدم
__________________
(١) البيان ، ج ١ ، ص ٩٢.
(٢) م. ن ، ص ٨٨.