القيروان فإني مسلّم إليك سلطانها».
المهمّ هنا هو اللجوء إلى والي طرابلس كحامل ذي اعتبار للشرعية ، والشرعية هي البقاء في الطاعة ـ مفهوم مهمّ جدا ـ ومن وراء ومن فوق ذلك كلّه الخليفة. وكأنّ ولاية إفريقية ، سياسيا وإداريا وعسكريا ، في وضعها القانوني العامّ مهيكلة في تلك الفترة حول ثلاثة فضاءات وثلاث سلط كبيرة : القيروان ، والزّاب ، وطرابلس. أمّا رقعة طنجة ـ السوس الأدنى ـ فموجودة لكنّها بعيدة ، وكذلك السّوس الأقصى وحتّى الأندلس قبل سنة ١٣٧ ه. فقلب الحضور العربي هي إفريقية الكبيرة ، من الزّاب إلى طرابلس. وبالتالي ، فسيكون لهاتين المقاطعتين قول في حسم مشكل انحلال السلطة السياسية بالقيروان وفي إفريقية عامّة للأسباب التي ذكرناها ، وبصفة خاصّة لأنّ الزّاب وطرابلس لهما قدرة على التدخل العسكري.
إلّا أنّ الزّاب هو الذي سيفرز مؤسّس الدولة الأغلبية ، ذاك النمط الجديد في صياغة الإمارة المتماشي أكثر مع متطلّبات العصر ، لأنّ الزّاب مكتسب لقاعدة اقتصادية أمتن ممّا هي عليه في طرابلس ، ولأنّ موقعه وسط في المغرب يجعله قادرا على الإطلال على كلّ البلاد ، ولأنّ له أيضا تاريخا ممتدّا في إفراز الممالك ، وأخيرا لاكتسابه بصفته ثغرا لقوّة عسكرية عتيدة.
ولئن كانت الوظيفة العسكرية أساس ومعتمد قادة هذه المقاطعات الثلاث الشاسعة ، والطاغية على قوّتهم ونشاطهم ، فلهؤلاء الولاة أيضا مهمّة مراقبة العمل الإداري والجبائي الذي ينشغل بالأساس على مستوى الكور وعمّالها. وإذا كان كبار الولاة في طرابلس والزّاب يعملون تحت سلطة وإشراف والي القيروان في جميع مواطن شغلهم ، فهذا الإشراف يقع في أعلى الهرم وليس في التفاصيل وهو محدود على أرضية الواقع كما رأينا. فالكور تابعة مباشرة وكيلا لهؤلاء الولاة الثلاثة ، وإذن فوالي القيروان لا يشرف بالفعل إلّا على كور إفريقية بالمعنى الضيّق أي تونس