وأكثر من ذلك يرى شاخت أنّ الفقه الذي برز في القرن الثاني وكذلك الأحاديث المتّصلة بالقانون هي نتاج وزبدة لمجهود قضاة القرن الأوّل أي ما يسمّى بjurisprudence. والحقيقة أنّ هذه النظرية لا تعتمد على حجج كافية لأنّ لا نكاد نعرف شيئا عن اجتهادات القضاة الأمويين وليست لنا باستثناء مصر (١) أعمال مونوغرافية عن الأمر. أمّا نظرية وضع الحديث في الثلث الأوّل من القرن الثاني الهجري فيعتمد فيها شاخت بالأساس على قراءة لكتاب الرّسالة للشافعي حيث يظهر الصّراع بين الفقهاء الأوائل المعتمدين على اجتهادات الفترة الأموية وبين أهل الحديث الجدد المعتمدين على تقنين جديد مغلّف في الحديث وآخذ منه سلطته. وقد طغى هذا التيّار في العهد العبّاسي الأوّل إلى درجة أن رأى مالك ضرورة تغليف أحكام فقهية قديمة في غلاف الحديث لكي يتماشى مع التيّار.
هذه النظرة ذات أهمية بالغة ، لكنّها ليست مدعمة بكفاية ، وهل يمكن ذلك؟ ما هو مهمّ من وجهة المؤسّسات وتاريخها أنّ القاضي كان يعيّن من الوالي أو الخليفة ، في الكوفة مثلا والبصرة من بين الأشراف أو الأوساط القريبة منهم من مثل شريح ، ونرى في تاريخ الطبري أنّ القاضي كان شخصية مرموقة في المجتمع الأموي لكن خاضعة للسلطة. وهكذا أمضى قاضي الكوفة مع كبار الأشراف والقوّاد على التّهمة الموجّهة من طرف زياد بن أبيه إلى حجر بن عديّ وأصحابه والمرسلة إلى معاوية.
بصفة أو بأخرى ، كان القاضي مرتبطا إلى حدّ ما بالدّين لأنه مجبر أن يحكم بالقرآن ولو لم يوجد حديث وكان عليه أن يجتهد في سياسة العدالة. ودون شك وكما في كل المجتمعات ، كان القضاء والعدالة من ركائز السلطة والوجود الاجتماعي وأعني بالسلطة هنا مفهوما أدبيا لا قسريا مختلفا في أصله الجاهلي عن الحكم السياسي. القاضي كان حكما
__________________
(١) أعمال Schimmel وBergotrasser على وجه الخصوص ، لكن في فترات تالية.