في أصل وجوده ، لكنّ ارتباطه بالسلطة السياسية جعلت أحكامه تنفّذ لكنّ الولاة غير مرتهنين دائما بها ولهم بعد ذلك دائرة قضائية ذات علاقة بالأمن العامّ والجرائم وكلّ ما يمسّ الدّماء.
إذا كان القاضي في الولايات وفي الفترة الأموية يعيّن من طرف الوالي ، فقد حدثت تغيّرات في العهد العبّاسي وفي القرن الثاني (١) ، إذ صار القاضي يعيّن من طرف الخليفة ، فتحرّرت الوظيفة من رقابة الوالي وسلطته. هذه هي الصورة التي قدّمها الاستشراق ، لكن صحيح أنّ القاضي في القرن الثاني صار شخصا مرموقا مقرّبا من الخليفة في المركز من مثل أبي يوسف والرشيد ولعلّ له سلطة ممتدّة على كلّ الولاية ويستشار في القضايا المالية والعدلية كما يظهر من خلال كتاب الخراج ، إذ يعتمد على سنّة الرسول والرّاشدين (٢). وكبرت الوظيفة في القرن الثالث حيث غدا القاضي مسموع الكلمة في المسائل الدينية البحتة واللاهوتية (مثال ابن أبي دؤاد والمأمون).
لكن ماذا عن إفريقية في فترتنا؟ إنّ فحص المصادر لا يمكّننا من الاتفاق مع نظرة شاخت أي التسمية من طرف الولاة في العهد الأموي ومن طرف الخليفة في العهد العبّاسي. قد يكون هذا الأمر يجري على المركز أي العراق. في إفريقية نرى أنّ الولاة يقومون بتسميات القضاة وعزلهم في بعض الأحيان كما نرى الخلفاء في أحيان أخرى يقومون أنفسهم بالتّعيينات وهذا خلال الدولتين. فالمسألة إذن أبعد من أن تخضع لصورة مبسّطة ، كما أنّ فكرة القطيعة بين العهدين تستحقّ التّعديل.
إنّ أوّل قاض على إفريقية عيّنه موسى بن نصير وهو أبو الجهم عبد الرحمان بن رافع التنوخي (٣). لكن فيما بعد عيّن عمر بن
__________________
(١) J.Schacht ,op.cit.,p.٠٥.
(٢) كتاب الخراج لا يعتمد كثيرا على الرأي ، وإنّما فيما يخصّ تنظيم الجباية في السّواد عمّا قاله أو فعله عمر ، وفي غير ذلك على آثار الصحابة وأحاديث الرسول.
(٣) المالكي ، رياض النّفوس ، ص ٧٢.