الأمور فلا نعرف بالضبط ما يعود إلى الوالي شخصيا وإلى شرطته وما يعود إلى القاضي ومحكمته. يبدو ـ وقد ذكرنا ذلك من قبل ـ أنّ للوالي تعود القضايا السياسية ولو أنّ ما يجري في هذا الميدان الحسّاس لا يمسّ أبدا بالعدالة فهي أحكام اعتباطية دون محاكمة وتعود إليه أيضا قضايا الدّماء وغير ذلك من الجرائم ، وللشرطة حقّ سجن المشبوه فيهم.
ويهتمّ القاضي من جهته بالقضايا المدنية من مثل الزّواج والطلاق والميراث وعلى الأرجح يقوم بتطبيق الحدود باستثناء القتل الذي يعود للوالي. ولا توجد في فترتنا هذه أيّة إشارة إلى صلاحيات القاضي بخصوص قضايا السوق التي سيمارسها صاحب السوق والمحتسب لاحقا ، ونفس الشيء بخصوص المظالم. من الأقرب أن وجدت هذه المؤسّسات من زمن المهلّبيين رغم ما تذكره المصادر من أنّ سحنون هو الذي دشّن الحسبة ، لأنّ سحنون في رأينا لم يفعل سوى أن أعطى لهذه المؤسّسة نفسا جديدا وأخضعها لسلطة القاضي (١). ونحن نعلم كذلك أنّ سحنون كان له صاحب مظالم تحت تصرّفه (٢) وأنه عبّر عن طموحه في الاستيلاء على جانب من حقل القضاء الاستثنائي التابع عادة للأمير من مثل مجال السياسة ومجال الدماء وهذا تحت غطاء مدّ كبير لمهامّه القضائية العادية (٣) وبارتباط كلّ ذلك بهالته الشخصية إذ غدا الفقيه المشرّع هو القاضي المنفّذ وهي وضعية جديدة تماما.
لقد كان اللّقب الصحيح لقاضي القيروان هو" قاضي إفريقية" ما دام لم يوجد بعد في المغرب الإسلامي لقب" قاضي الجماعة" الذي يقول عنه النّباهي إنه لقب جديد لم يوجد في الماضي (٤). ونصّب عدد من القضاة المحلّيين في مراكز الكور ، وكان يتمّ تعيينهم من طرف العمّال
__________________
(١) رياض النفوس ، ص ٢٧٩.
(٢) طبقات ، ص ١.
(٣) رياض ، ص ٢٧٦ و ٨٢ ـ ٢٨١.
(٤) النباهي ، تاريخ ... ، ص ٢١.