المحليين (١) لكنّهم يقعون تحت رقابة قاضي إفريقية وهم مجبرون على تطبيق أوامره وأحكامه (٢).
وتوفّر لنا المصادر إشارات متفرّقة عن كيفية ممارسة القضاء في القيروان. فكان القاضي يقضي في الجامع الأكبر (٣) ، إلّا أنه قد يجلس للقضاء في بيته وهو ما لا يحبّذه الفقه والفقهاء (٤). وله خاتم شخصي تحت تصرّفه يختم به أحكامه (٥) ، وديوان أي سجلّ يرجع إليه وتسجّل فيه القضايا والأحكام (٦) ، وأعوان للتنفيذ وكتبة (٧) ، هذا على الأقلّ في آخر فترة الولاة وفي عهد هارون الرشيد حيث انتظمت المؤسّسة القضائية واشتدّ عودها في المركز والولايات.
هل كان القاضي يتقاضى راتبا أو مكافأة من الإدارة على عمله هذا؟ الأقرب أنّ الأمر كان كذلك سواء بالنسبة لشخصه أو بالنسبة لموظّفيه ، لأنّ منصبه كان منصبا إداريا متّصلا بالسلطة وأساسيا بالنسبة للمجتمع ، ولأنّ كلّ من يقوم بدوره في المجتمع بما في ذلك الجندي يتقاضى عطاء. ونظرا لمهمّته العليا ، لا بدّ أنّ الوالي كان يغدق عليه هبات (٨) ، وكان يأخذ هدايا من متقاضيه.
ومن الصّعب في هذه الفترة أن نعرف مدى استقلالية القاضي عن الجهاز الإداري ، فقد حصلت تغيّرات بين خلافة عبد الملك وخلافة الرّشيد واشتدّ عود العامل الديني وتكوّنت الشريعة شيئا فشيئا ، وعلى كلّ
__________________
(١) هذا ثابت في العهد الأغلبي : Vonderheyden ,Berberie ,op ,cit.,p.٨٢٢. في فترات لاحقة ، نرى أن قضاة إفريقية يعيّنون القضاة المحلّيين ، لكنّ الأمير يتدخّل في بعض الأحيان في التّسميات : هوبكنز ، م. س ، ص ١٢٤.
(٢) المدوّنة ، ج ١٢ ، ص ١٤٦.
(٣) أبو العرب ، طبقات ، ص ٣٣ ؛ المالكي ، رياض ، ص ١١١.
(٤) المدوّنة ، ج ١٢ ، ص ١٤٤.
(٥) المالكي ، رياض ، ص ١٠٠.
(٦) أبو العرب ، طبقات ، ص ٣٤.
(٧) المدوّنة ، ج ١٢ ، ص ١٤٦.
(٨) المالكي ، رياض ، ص ١٠٠ ، يؤكّد أنّ عبد الرحمان بن زياد لم يكن يقبل الهدايا.