في الفترة التي نبحثها (١). فكتب المناقب أخرجت لنا إخراجا مشاهد من هذا الموقف مفصّلة ، لكنّ المادّة التاريخية الموجودة متأخّرة على الأرجح ووقع إسقاطها على الماضي ، إلّا أنها تحوي جانبا كبيرا من الصحة.
لم يحفظ لنا أي شيء عن أحكام القضاة (Jurisprudence) الإفريقيين في العهد الأموي ، لكن إذا اتّبعنا نظرية شاخت ، لا بدّ أنهم كانوا يعتمدون على القرآن في أسس التشريع ، إنّما القرآن لا يجيب على كلّ المسائل التفصيلية التي تطرأ على الدّوام. ومن الممكن أنهم اتّبعوا إلى حدّ ما القانون الرّوماني (٢) الذي كان طاغيا على إفريقية قبل الفتح كما حصل في الشام وفي بيروت على الخصوص (٣). ولا بدّ أيضا أنهم اجتهدوا واستنبطوا أحكاما وأنّ هذه الأحكام صارت تراثا مشتركا ، لكن لم يحدث في إفريقية أنّ هذه الأحكام غدت قاعدة للحديث أو للتشريع الفقهي. لقد تمّ هذا العمل في الكوفة وحدها حسب شاخت وفي رأينا في المدينة أيضا حيث دور الفقهاء السبعة والدور الأساسي لعمل أهل المدينة لدى مالك.
وهكذا بعد أن تمّ تكوين المذهبين الأوّلين ـ الحنفي والمالكي (٤) ـ الأكثر اتّصالا بالأصول الأوّلية للتقنين ، وقبل أن يطغى الحديث على الفقه ويبتلعه ، تقبّل الإفريقيون الحلول الشرقية للقانون ، كما تقبّل البربر الفكر الخارجي البصري ، أوّلا الفقه العراقي وثانيا فقه مالك وأخيرا حلول سفيان الثّوري.
ولقد كان أسد بن الفرات حنفيا مالكيا ، كما أنّ الأغالبة الأوائل
__________________
(١) أبو العرب ، طبقات ، ص ٣٥ ؛ المالكي ، رياض ص ١١٨ ؛ هوبكنز ، م. س ، ص ١١٥ ١١٦.
(٢) P. Crone, Roman, provincial; J. Schacht, The Origins ـ ـ ـ , op. cit., and Int. to Islamic Law, op. cit.
(٣) بيروت كانت قاعدة لإنتاج القانون الروماني ، وتمادى هذا التقليد في الإسلام حيث هناك برز الأوزاعي.
(٤) شاخت لا يسمّيها مذاهب ، حيث هذا المفهوم برز فيما بعد وإنّما المدرستين القديمتين معارضة بالشافعية والحنبلية : The Origins ـ ـ ـ.