في تفاصيل قيامهم العسكري ، استطاع العرب أن يتبعوا النظام الدفاعي البيزنطي ويستغلوه ، غير أنهم بسّطوه كثيرا. فقد أقاموا في أغلب الأحيان في حاميات وحصون قديمة مثل باغاي وباجة وقابس ولكن يوجد في أغلب الأحيان تطابق بين الأقاليم المدنية ومراكز الكور باستثناء التي كانت عسكرية منها. بالإضافة إلى ذلك عوّض ظهور المدن الجديدة مثل القيروان وتونس انحطاط مراكز عسكرية أخرى مثل سبيطلةSuffetula ، وتبسّةThevesta ، وقرطاج.
التنظيم الإداري
ذكر لنا ابن عبد الحكم «أنّ حسّان بن النّعمان هو الذي أنشأ الدّواوين ، وفرض الخراج على عجم إفريقية ومن أقام معهم على النصرانية من البربر» (١). تتجمّع إشارات عديدة لتدعم لنا هذه المعلومة التي أوردها الإخباري العربي ، وتؤكد لنا على وجود إدارة إفريقية مشابهة من عدّة نواح لإدارات الولايات الإسلامية الأخرى. وتتكوّن هذه الإدارة من ثلاثة دواوين رئيسية : ديوان الجند ، وديوان الخراج ، وديوان الرّسائل.
ومن المحتمل أن تكون هذه النّواة الإدارية المركزية مقيمة في قصر الوالي ، وقد وقع مدّ نشاطها بمختلف الدواوين التابعة مثل ديوان البريد الذي كان في نفس الوقت وكالة استعلامات ، ودار الضرب ، ودار الرّزق ، وأخيرا بيت المال أو الخزينة العامة. كانت الإدارة العربية في إفريقية أداة المحافظة على نوع من الهيمنة التي يعبّر عنها هي بدورها بالاحتلال العسكري واستغلال موارد البلاد المالية. فيؤخذ القسط الأكبر من الضرائب المحصّلة لدفع أجور العرب المستقرين والمتماهين مع الجيش ، وقسط آخر على النفقات الإدارية ، ويبعث ما يتبقّى وهو حوالى ١٣ مليون درهم في عهد الرّشيد إلى عاصمة الإمبراطورية. ويعني ذلك كلّ الأهمية
__________________
(١) فتوح ، ص ٢٧١. انظر أيضا مقالنا : Studia Islamica ,XXVIII ,pp.٩٧ ـ ٧٠١.