وكيفا لأبناء الصحابة الأكثر شهرة. تحرص المصادر على إعطائنا الصورة الأكمل عن فخامة بدايات حركة الفتح ، فالخليفة عثمان سهر بنفسه على تجميع العناصر الأولى لمعسكر «الجرف» ، قرب المدينة ، بعناية كبيرة.
مع شيء من الاحتراز ، يبدو لنا أنّ هذه الرواية لا يجب استبعادها ، لأن مشروع إفريقية كان عمل عثمان الخاصّ ، ولذلك يجب أن يكون الأمر مهمّا جدا بالنسبة إليه.
من جانب آخر ، إذا بدأ فتح إفريقية كامتداد منطقي لفتح مصر ، فقد كان له ، مع ذلك ، معنى مستقلّ على الأقل باعتبار أن إفريقية ، كانت تمثل وحدة إدارية ثابتة. لقد كانت كذلك لا سيما في تلك الفترة ، التي برزت خلالها حركة استقلالية ساندتها الأرثوذوكسية المعادية بعمق للسياسة الدينية التوحيدية للحكومة الإمبراطورية. ستتجسّد هذه الحركة سنة ٦٤٦ بانفصال إكسرخس والي قرطاج غريغوار (جرجير) ، الذي ذهب إلى حد أخذ لقب الإمبراطور.
هل أوّل العرب هذه التمزقات الداخلية على أساس أنها علامة ضعف؟ وهل كانوا بالتالي محدّدين في اختيار الوقت؟ لا يوجد أي شيء مؤكّد ، لأن البطريق عرف واستطاع بحقّ كيف يكوّن حول شخصه إجماعا واسعا ، خاصّة وأن دعم القبائل البربرية لم يغب عنه ، ولكي يتقرّب منها أكثر ، عزم على التنقّل إلى سفّاطلة (سبيطلة) واستقر بها.
وليس بعيدا عن هنا حدثت المواجهة بين الجيش العربي وجيش جرجير ، وحسب المصادر العربية ، يجب أن يتموضع المكان المسمّى عقوباء ـ بالتّدقيق ـ على الطريق التي تربط حضرموت (سوسة) بسبيطلة على بضع ٨٠ كلم من العاصمة الجديدة. لقد شهدت المعركة المعروفة بمعركة سبيطلة (٢٨ ه) ، انسحاق البيزنطيين وجموع البربر المساندين لهم. فقد قتل جرجير هو نفسه ، ولم تفلت المدينة من النّهب. لقد وضعت هزيمة البطريق واختفاؤه من الساحة السياسية حدّا للانشقاق الإفريقي ، وجعلت أحلامه الإمبراطورية تذهب أدراج الرياح ، إذ ستعود الولاية ، في الحقيقة