عمّا قريب ثانية ـ على الأقل رسميا ـ إلى أحضان الإمبراطورية. ولكن يكمن المعنى الحقيقي لمعركة سبيطلة في تصدّع الأرض المكشوفة للجيش البيزنطي الإفريقي. إلى جانب أنّها أول مواجهة مهمّة مع العرب ، ستكون معركة سبيطلة أيضا الأخيرة. سيأخذ ، من هنا فصاعدا الصّراع بين الإمبراطوريّتين من أجل حماية الولاية مظهرا غير مباشر ، فيحوّله إلى مقاومة غير فعالة تقريبا ومتفرقة وشديدة الارتباط ـ إن لم نقل تابعة ـ للمقاومة البربرية. بعد انتصارهم ، لم يتوان العرب عن القيام بعمليّات النهب ، إذ كنست فصائلهم بلاد مزاق Byzacene ، وطالت حدود واحات الجريد الثريّة. وتوجّب أخيرا على القادة البيزنطيين أن يقدّموا ثمنا لخروج الغازي العربي تمثّل في غرامة حربيّة ثقيلة قدرت ب ٠٠٠ ، ٥٠٠ ، ٢ دينار أي ٣٠٠ قنطار من الذهب. وهكذا وبعد ١٤ شهرا من الإقامة يأخذ الجيش العربي طريقه إلى مصر.
إن حملة ابن أبي سرح ، بالرغم من أنها كانت غارة نهب ، فقد مثلث البذرة الأولى في مشروع الغزو الطويل. ممّا لا شك فيه ، كان القصد العام للفتح قد وجد في ذهن القادة العرب ، ولكن في هذا العمل الأول ، وجب عليهم الاكتفاء بالحفاظ على غنيمة ضخمة جمعوها بأنفسهم. فضلا عن ذلك ، بدأت الاختلافات تظهر في صلب هذا الجيش ، إذ ستكشف حملة إفريقية بصيغة خاصة عن العيوب العميقة لنظام عثمان العائلي ، وتسلط الضوء على المعارضة القوية ضدّ حكمه.
باختصار ، إنّ حالة عدم الاستعداد للاستقرار الحقيقي للعرب ، ووجود صعوبة في إجبار النظام الدفاعي البيزنطي الذي اهتزّ بقوة في بلاد مزاق ولكنه ظلّ قائما في مواضع أخرى ، والتمزّقات الداخلية في الجيش العربي نفسه ، كل هذا أدّى إلى إيقاف واضح لحملة إفريقية.
دام هذا التخلّي ما يقارب العشرين سنة ، لأن الإسلام دخل بالفعل في مرحلة اضطرابات مثّلت فيها أزمة الخلافة العنصر الأهم.
سيسمح صعود معاوية إلى الحكم سنة ٤١ ه / ٦٦١ م بتجميع القوى