من أجل استئناف التوسّع الإسلامي على حساب بيزنطة التي وقع تهديدها جديّا من جديد. وعرفت إفريقية في غضون ذلك الوقت فترة من الاضطراب ، فقد استعاد الإمبراطور قسطان الثاني Constant II الإشراف عليها ، غير أن سياسته الدينية التي طبعت بالعنف والفظاظة ضدّ القس مكسيم ـ وهو إفريقي كبير ، وأشهر رجل دين في عصره ـ جعلت الناس ينفرون منه. كما أن الابتزاز الجبائي الذي كان يقوم به ، لم يكن كذلك ليجلب له تعاطف الناس وودّهم. ومن هنا اندلعت الثورة في قرطاج ، واستنجد الثائرون بالخليفة ـ وهو طلب غريب ـ فكانت الفرصة سانحة للعرب من أجل العودة وبقوّة.
من جديد ، تزعّم قائد عربي من مصر هو معاوية بن حديج السّكوني الذي كان من أبرز وجوه الحزب العثماني قيادة الجيش في ٤٥ ه / ٦٦٦ م ، وجاء ليعسكر في بلاد مزاق ، في منطقة القرن ليشع على المناطق المجاورة. حادثان هامّان جاءا ليميّزا هذه الفترة الجديدة ، فمن جهة قاد نيسيفورNicephore إنزالا بيزنطيا إلى المنستير ووقع صدّه ، وتمّ الاستيلاء ، من جهة ثانية ، على مدينة جلولاء في منطقة القيروان. وقد جاء هذا الاستيلاء العنيف كضربة حظّ تميّزت بالمشاركة الفاعلة لعبد الملك بن مروان.
باختصار ، أعادت حملة ابن حديج الأمور إلى ما كانت عليه ـ يعني إلى نقطة البدء ـ في ٦٤٩ م. وقد وقع خلالها الاستيلاء من جديد على بلاد مزاق ونهبها ؛ ثمّ في سنة ٦٦٧ م ، كان التراجع في اتجاه مصر.
فهل هي حملة نهب أم هي سياسة مراحل حذرة؟ لقد تميّزت سياسة الخلافة العسكرية تجاه إفريقية ببطئها وتردّدها ، وبخاصيتها الاستراتيجية إلى حدّ ذلك الحين ، أكثر من البعد الاستيطاني ؛ هذا البعد الذي لم يوجد في ذلك الوقت ، إن لم يكن في الأفعال ، فعلى الأقل في النوايا.
وسيكون فضل تدقيق هذه التوجّهات ومحاولة التغلّب على القدر إلى رجل من طينة الأولياء ، هو عقبة بن نافع.