II ـ الاستقرار العربي وبدايات المقاومة البربرية
(٥٠ ـ ٦٩ ه / ٦٧٠ ـ ٦٨٨ م)
تأسيس القيروان (٥٠ ـ ٥٥ / ٦٧٠ ـ ٦٧٤)
عند ما أصبح عقبة بن نافع والي إفريقية سنة ٥٠ ه ، كان قد صار رجلا ناضجا ، له من العمر ما يقارب ٥٠ سنة ، ووراءه تجربة عسكرية طويلة نسبيا ، لا سيما وأنه قد قاد حملات على الجنوب الليبي وشارك في الغارات الأولى على إفريقية. لقد فهم عقبة سريعا باعتباره قائدا طموحا ، ومؤسّسا نشيطا ، أنه لا يمكن أن يحدث فتح حقيقيّ دون استقرار في مدينة ـ معسكر ، يعني «مصرا» على غرار ما تمّ إحداثه في المشرق. يمكن القول ، أن مع عقبة ، انبثقت حقا ولاية إفريقية ، حتى وإن ظلت تابعة لبعض الوقت لحكومة الفسطاط. يضاف إلى هذا ، أنّ نفس الشخص ، دشّن نمطا جديدا من العمل ، يتميّز بعزيمة شرسة وذهنية تبشيرية ، لتؤكّد ـ أكثر من ذلك ـ على التوجهات الاستراتيجية الجديدة التي تشمل بلاد المغرب بأكملها.
لقد تأسست القيروان المدينة ـ المعسكر في منطقة قمّونية ، التي مثّلت منذ الغارات الأولى المكان المفضّل لإقامة الجيوش العربية. فمن هنا انطلق الهجوم الأوّلي على سبيطلة ، وهناك عسكر معاوية بن حديج. أفلا تذكر لنا المصادر ، فضلا عن ذلك ، أن عقبة توجّه ، في التحرك الأوّل إلى معسكر مهجور ، بدون شكّ المعسكر الأول لسلفه ، وأنّ الموضع لم يرضه فغادره إلى ما سيصبح موضع القيروان ، الذي بقي مع ذلك في نفس المنطقة.
ينبغي الإشارة هنا ، إلى أن المدينة تأسست في وقت تخلّصت خلاله الزوجيتان Zeugitane ، وهي النصف الشمالي لتونس ، من نفوذ العرب ، وبالتالي فمن هذه الزّاوية ، كان موقع القيروان خاضعا للظروف العسكرية للفتح. ولكن ، ألأنّ عقبة أخذ بعين الاعتبار إخضاع كامل إفريقية لسلطته ، فهو لم يؤسّس مدينته على موقع قرطاج