المسجد الجامع في الاتجاه الجنوبي الشمالي ، ومكان الإنتاج الحرفي والتبادل التجاري في نفس الوقت. بعد ذلك ، انتظمت الأسواق بدفع من يزيد بن حاتم (١٥٥ ـ ١٧٠) ، الذي جمّع المهن الحرفية والتجارية حسب الاختصاصات المعمول بها (١).
أمّا التجارة الكبرى فإنّ الحضور العربي لم يقلّصها بل أحياها. من المؤكّد أن الشريك المميّز في هذا المجال كان المشرق الإسلامي ، غير أنه يمكن أن نتصوّر أيضا أن علاقات تجارية ربطت بين إفريقية وأوروبا عن طريق إسبانيا أو صقلية ، فأصبحت القيروان خاصة سوق العبيد الكبرى ، وظلّ عنصر الرقيق البربري الأكثر انتشارا بعد الفتح بقليل وطيلة زمن طويل أيضا ، إذ لا تتوانى الروايات على التأكيد على ميل المشارقة للنساء البربريات. وقد وقعت الإشارة ، في القيروان نفسها ، إلى النشاط التجاري الكبير الذي كان يقوم به إسماعيل الأنصاري الذي كان في نفس الوقت ناسكا تقيّا وتاجر عبيد ، يبعث بقوافل إلى المشرق (٢).
وقد خوّلت الغزوات المتتالية على صقلية انطلاقا من ١٢٠ ه تنشيط هذه التجارة. ونحن نجهل إذا ما وقع إقامة المحطات التجارية المختصة في بضاعة العبيد في القرن ٢ ه / ٨ م ، هذه التجارة التي أصبحت في القرن ٩ م ، من فردان Verdun إلى القيروان ، ثمّ المشرق مرورا بإسبانيا عنصرا من العناصر الأساسية للتجارة بين الغرب والشرق. أمّا عن العلاقات التجارية التي تربط إفريقية بعالم بلاد السودان والتي يرجعها اليعقوبي إلى القرن ٩ م ، فقد ظلت في عداد الفرضيات فيما يتعلق بشأنها في عهد الولاة.
لا تقوم التجارة الكبرى مع المشرق على العبيد فقط ، إذ كان يصدّر إليه أيضا الحبوب ، والزيت ، والسّجاد ، وأقمشة الطراز ؛ بينما وفي المقابل كانت إفريقية تستورد منتوجات رفيعة مثل الأقمشة والأسلحة
__________________
(١) البيان المغرب ، ج ١ ، ص ٣٨.
(٢) رياض النفوس.