والتوابل الموجّهة إلى الطبقة الغنية والحاكمة. وقد كانت هذه التجارة برية قوافلية خاصة ، إذ كانت هذه القوافل عند انطلاقها من القيروان تتبع الطريق الساحلية (التونسية) ، ثم تقتفي طريق منطقة طرابلس وتمرّ بالفسطاط لتنفذ في النهاية إلى سوريا والعراق. وكانت هذه القوافل تنقل معها خليطا من الحجيج من رجال العلم والمسافرين. وهكذا كانت العلاقات التجارية تقترن مع الاتصالات البشرية والثقافية.
في الجملة ، أرجع هذا النشاط التجاري المزدهر علاقات التضامن بين إفريقية وبقية فضاء إمبراطورية الخلفاء الأكثر عمقا. فمن مجال في أوج صعوده ، وعلى خلاف الغرب المسيحي الرّيفي ، أصبح فضاء يتمتّع باقتصاد نقدي أظهره توحّده كسوق واسعة تجلب إليها كل الكفاءات الجريئة.
الهياكل الاجتماعية
في الوقت الذي كان الفتح الإسلامي يفرض فيه نفسه كتوجه حضاري جديد ، كان يقوم بتغيير اجتماعي مهمّ أيضا إذ امتزجت العناصر القومية والعرقية والاجتماعية بتحديد المعنى والدينية امتزاجا حميميا. فإذا كانت التراتبية الاجتماعية كثيرا ما تتفق مع التصنيف العرقي ، فإن التضامن الواضح في الجملة والقوي بوجه الخصوص ، يطفو في بعض الأحيان ليخلق عالما منفصل العناصر ومركّبا في نفس الوقت. فالاندماج بين العناصر القديمة والجديدة ما زال بعيد المنال ، وبالرّغم من ذلك ، كانت القوى التي تعمل لتقريب الإثنيات شديدة العمق مثل اللغة العربية والدين الإسلامي خاصة.
لقد برزت إفريقية إذن التي مثلت خليطا من الشعوب والقبائل ، ككيان اجتماعي غير متجانس ، فكان السكان القدامى ، الممثلون بالروم والأفارقة ، وقبائل البربر واليهود متفوّقين عدديا ، غير أن العناصر الجديدة المتكوّنة من العرب ومواليهم الشرقيين وبصفة أقل الفرس ، كانوا الأسياد