أزمة ١٢٢ ـ ١٢٧ ه
إنّ نهاية عهد هشام بن عبد الملك (١٠٥ ـ ١٢٥) مثّلت بالنسبة لكلّ العالم الإسلامي أو دار الإسلام انطلاقة لأزمة عامة وخطيرة. وما يشدّ الانتباه في إفريقية خاصيتان أساسيتان هما انفجار ثورات الخوارج ومن جهة ثانية نشأة سلطة إفريقية مستقلّة تحت راية الفهريين.
فمنذ أن تمّ إيقاف حركات الخوارج في الولايات المركزية الشرقية (العراق وفارس) ، كانت هذه الحركات تبحث عن مواصلة البقاء في أطراف البلاد الإسلامية ، في نواحي إيران والمغرب. وانتشر الدّعاة من العرب والموالي المشارقة بين قبائل البربر ونجحوا في غرس مبادئ الصّفرية والإباضيّة في هذه الربوع. هاتان فرقتان معتدلتان مقارنة بعنف الأزارقة وحدّتهم ، لكنّهما مع ذلك كانتا ككل الحركة الخارجية في توجّهها تشكّلان مذهبا يقوم على الرّوح الثورية والفوضى الاجتماعية. بكلّ تأكيد ومن وجهة نظر سياسية ، كانت حركة الخوارج مؤهّلة للإفصاح عن الكراهية الاحتجاجية للعالم البربري والطبقات الشعبية في المدن ، وبالتالي فإنّ احتضانها كان يتماشى مع التكدر العام والعميق للمجتمع البربري والقبلي منه على وجه الخصوص. فبعد أن أسلموا كان البربر يشتكون من النظام الجبائي المفروض عليهم والذي كان قاسيا في بعض الأحيان واعتباطيا بل كان مغتصبا وعاتيا. ولذا أرسلوا وفدا للتشكي إلى هشام لم يحظ بالاستقبال.
وهناك من البربر من كان يألم من انتفاء المساواة الفعلية في العطاء والجيش وبصفة عامّة في الحياة الاجتماعية. وهؤلاء بربر مسلمون يشاركون في الفتوحات. وبالتالي ، كان يوجد شعور عامّ بالمقت والازدراء ، فاستعادوا تقاليدهم القديمة في الانتفاضات ، احتجاجا على الظروف الرّهيبة التي يعيشونها على الدّوام في بلادهم الأصلية.
وفي ١١٦ ه أتى إلى القيروان الوالي عبد الله بن الحبحاب ، وقد كانت سيرته قاسية وفظة في مصر حيث كان من قبل واليا على الخراج