ونتجت عن ذلك ثورة الأقباط. وواصل في المغرب سياسة الابتزاز إلى درجة أنه اعتبره أرض غنيمة. وبأمر منه أراد عامل طنجة" تخميس" قبائل البربر في السّوس الأوسط ، يعني أخذ الخمس منهم كما لو لم يكونوا مسلمين. فظهر هذا المطلب بمظهر الفظاعة وسرعان ما تحوّل إلى فرصة للثورة وإشارة لاندلاعها.
وسرعان ما ثارت قبائل المغرب الأقصى تحت قيادة سقّاء سابق ـ حسب المصادر ـ هو ميسرة المتغري الذي اتّخذ لقب خليفة بعد أن قتل العامل عمرو بن عبد الله المرادي. وبعد زمن قليل هزم الجيش العربي هزيمة نكراء تحت قيادة شخصين من أفضل قواد إفريقية هما خالد بن أبي حبيب وحبيب بن أبي عبيدة وذلك على ضفاف نهر" شلف". ومات خالد ومعه عدد ضخم من أشراف القادة العرب ولذلك سمّيت هذه الوقعة" بوقعة الأشراف" إشارة لهذه المواجهة التي لم يسبق لها نظير.
وفي السنة الموالية ، اصطدم الوالي الجديد كلثوم بن عياض بجيش خالد بن حميد الزنّاتي الذي عوّض ميسرة في قيادة الثورة. وبالرّغم من أنّ كلثوما كان مدعوما بجيوش الشام وقد أقبلت خصّيصا من المشرق ، فهو لم يستطع اجتناب الكارثة قرب نهر" السّبو" (١٢٤ ه) ، فقتل كلثوم في المعركة إلى جانب حبيب بن أبي عبيدة.
وهكذا خرج الخوارج البربر منتصرين بعد هاتين المواجهتين ودخل المغرب كلّه في دوّامة الانتفاضة والرّفض. وانتشرت الحركة بأقصى المغرب بل ضمّت كلّ الفضاء المغربي إلى حدّ أن وقعت القيروان بين نارين ، بلاد طرابلس وبلاد الزّاب ، وهما المنطقتان الأكثر وجود بربري في إفريقية والأكثر لذاعة عسكرية ، فكان من الطبيعي أن تستقرّ بهما بؤر الثورة. لكن يكون من الخطأ أن نعتبر أنّ حركة الخوارج هي من فعل هذا الفصيل البربري دون ذلك. فمثلا هذه الفكرة هي التي حدت بشكل خاصّ بالمؤرّخ الفرنسي غوتييي أن يعتبر أنّ الحركة البربرية كانت من نصيب قبائل" زناتة". غير أن هذا اللفظ لم يكن يعني في تلك الفترة ما