والأندلس كوّنتا قطبا حضاريا ممتازا ، والأندلس أكثر من إفريقية ستغدو مركز إشعاع قوي للحضارة الإسلامية مثل العراق أو خراسان ، المركز الآخر للإسلام. أمّا المغرب الأقصى فإنّه سيحمل إمبراطوريات قوية ، بربرية الجنس ، إسلامية الأسلوب. وفي آخر المطاف ، إنّ التّهرّب من حكم مركزي بعيد والإبقاء على إمكانات بلد ما يهيكل هذا البلد ويفجّر قواته الكامنة ، فيما أنّ فترة الوحدة الأولى بعد الفتح كانت فترة جهادية وغامضة ومضطربة جدا ، بالأخصّ بعد أسلمة البربر في المغرب وبعد تكثيف الحضور العربي بالأندلس بدءا من ١٢٣ ه مع نزوح عرب الشام إليها كما سنرى.
كلّ هذه المشاكل ستتّضح عند عرضنا الآن للأحداث.
فمن المعروف أن طارق هو الذي بدأ بفتح الأندلس. من هو طارق؟ هو مولى بربري (١) من قبيلة" نفزة" ، وهذه القبيلة ليست بنفزاوة الطرابلسية ، بل هي على الأرجح مستقرّة حول طنجة ، في" الريف" الحالي. وقد لعبت دورا في مقاومة فتح المغرب الأقصى من طرف موسى بن نصير وبعده ، أي أنها قبيلة جبلية محاربة. ومنها أخذ العرب سبيا كثيرا من جملتهم أمّ عبد الرحمان بن معاوية الدّاخل ، ومنها أخذوا رهائن كما من غيرها. وكان طارق مولى وعاملا لموسى «على المغرب الأقصى» وهو بذاته من سبي البربر ومكلّف برهائن البربر. وكان من استراتيجية موسى بن نصير لتهدئة وترويض المغرب الأقصى أن يتّخذ من القبائل المقهورة صنائع وموالي يكون مجده مجدهم وقد مثّلوا عددا كبيرا ، وكذلك رهائن من «أبناء رؤساء القبائل ضمانا لسلمهم». من الأقرب أنّ طارقا كان عاملا على طنجة ، قاعدة الحكم العربي آنذاك ومن بعد ، أو على الأرجح أن يكون ممثلا لموسى على قبائل الجهة أي السّوس الأدنى. وتقول المصادر إنّه جاز إلى
__________________
(١) ابن العذاري ، البيان المغرب ، ج ٢ ، ص ٥ ـ ٦ ، «مولى موسى بن نصير». ما ورد في : ابن الأثير ، الكامل ، ج ٤ ، ص ٥٥٦ وما بعدها غير مقنع وخرافي.