واضمحلال شهرته ، وإن كان هذا الاضمحلال أقل أهميّة في التاريخ الرّسمي منه في المصادر القديمة. وكردّ فعل على هذه النزعة ، لم يتردّد بعض المؤرخين المعاصرين من قلب الأدوار بمنح التفوّق تقريبا في عمل الفتح لأبي المهاجر على حساب عقبة.
سيكون هنا أبو المهاجر الشخص الأول ، الذي ستكون لديه إرادة واضحة في الاستيطان إن لم نقل في الفتح الحقيقي ، فقد كان أول من تجرّأ على القيام بضربات ضد المغرب الأوسط مستعملا سياسة لبقة تسعى إلى أسلمة إفريقية. فهما يتعارضان في سياساتهما وطبائعهما اللّينة من جانب والعنيفة من الجانب الآخر. وبالفعل لم يكن كل شيء خاطئا في ما تسوقه لنا المصادر. فأبو المهاجر يبدو لنا بالفعل كسياسي فطن ، ومسلم صادق. لكن من المؤكد أنه يتوجّب أن يعزى إلى عقبة التوجّه الجديد للفتح الذي لم يكن فيه أبو المهاجر سوى مواصل ليّن وناشط في نفس الوقت. إنه لذو مغزى ، مثلا أن تكون المدينة ـ المعسكر لهذا الأخير ، وهي تكروان التي أراد بفعل الكراهية أن يجعلها منافسة لقيروان عقبة هجرت بعد وقت قصير ، ولم تصمد بعده. ولكن تبقى بعد ذلك الاختلافات في الأسلوب والصراعات الشخصية بين الرجلين. لقد كان الإثنان تحرّكهما نفس النيّة المتمثلة في استقرار متين بإفريقية ، وفي فكرة توسيع الفتح على صعيد كامل المغرب.
هكذا ، نجد ـ على ما يبدو ـ أبا المهاجر في أوج العمل على عيون تلمسان حيث سيؤسّر قائد أوربة كسيلة ، وبعد ذلك وفي سنة ٥٩ ه ، ستقع الإشارة إليه أمام قرطاج. وأخيرا سيتخلّى البيزنطيون في هذا العهد وبمقتضى اتفاق ، للعرب عن شبه جزيرة الوطن القبلي التي سمّوها جزيرة شريك.
حملة عقبة الثانية وظهور المقاومة البربرية (٦٢ ـ ٦٣ ه)
عند ما سمّي عقبة من جديد على رأس بلاد المغرب سيشرع في تنفيذ مشروعه الكبير لاختراق المغربين الأوسط والأقصى. وفي هذا الوقت المحدّد ، اندلعت مقاومة بربرية في غاية الحيوية ، فمثّلت عنصرا