الفتنة (١). لكنّ الفتنة حصلت على كلّ حال ، إذ نقل أهل الشام إلى الأندلس صراعاتهم الذاتية بين المضريّة واليمنية ، فثار الصّميل بن حاتم مع المضريّة وأزاح أبا الخطّاب وحصلت فتنة بين قيس / مضر واليمن بل ومعركة كبيرة بين أبي الخطّاب الوالي ويمنيّيه وبين الصّميل ومضريّيه وهي يوم" شقندة" التي يصفها ابن العذاري ب" يوم عظيم" (٢).
لكنّ أبا الخطّاب هذا ، قبل أن يغلب ، فرّق أهل الشام في الكور على الصفة التي وجدوا عليها في بلادهم أي استيطانهم في الأجناد.
فوضع من أصلهم جند دمشق في إلبيرة وأهل الأردن في ريّة وأهل فلسطين في شذوذة وأهل حمص في إشبيلية وأهل قنّسرين في جيّان وأهل مصر ـ وقد دخل عدد منهم مع بلج ـ في باجة. وهذا التوزيع مهمّ لأنّه سيخفّف من خصوصية أهل الشام ككتلة وككلّ وسيلعب دورا كبيرا في المستقبل في تعريب الأندلس وفي جعلها بلدا تواجدت فيه كلّ البطون والقبائل العربية. ف جمهرة أنساب العرب لابن حزم ، وقد كتبت في القرن الخامس الهجري ، تأتي على كلّ القبائل والعشائر العربية في حدّ ذاتها وتبرز لنا أنّ أغلبها إذا لم يكن كلّها ممثّلة في الأندلس وفي كلّ صقع من أصقاعها. فالحضور العربي سرى في شرايين الأندلس مع كلّ ما يحمله من لغة وثقافة وأشعار وحضارة وتجربة طويلة على أرض قلب الخلافة في دمشق والشام. لكن في فترة أولى حمل هذا العنصر معه نزاعاته فلم تعد هذه تستعر بين النازحين القدامى الإفريقيين والجدد الشاميين ، بل بين كلّ قيس وكلّ اليمن وهو نزاع لا معنى له في الأندلس سوى أنّ المقاتلة حملوا معهم الصّراع في أذهانهم. لقد كان تعلّة لرهانات أخرى كالمطامع والمطامح والنّزوع إلى الفتنة والفوضى من طرف جند حافظوا على تركيبتهم القبلية أو بالأحرى ما فوق القبلية حيث إنّ قيسا مجموعة قبائل وكذلك اليمن ، والذّاكرة التي تحفظ النّزاع مترسّخة في
__________________
(١) م. ن ، ص ٣٤ : «واجتمع على أبي الخطّار أهل الشام وعرب البلد ودانت له الأندلس».
(٢) م. ن ، ص ٣٦.