تاريخية الشام الخاصّة (١).
بعد الفتنة ، اجتمع أهل الأندلس على تولية يوسف بن عبد الرحمان الفهري أخي حبيب بن عبد الرحمان (٢) ، وبقي يوسف في الحكم إلى مجيء عبد الرحمان الدّاخل. إنّ طول مدّته مأتاها كونه قرشيا ومبدئيا فوق الأحزاب ومن سلالة عقبة بن نافع ومن أسرة عربية إفريقية هي رأس عرب هذه الولاية ، وقد تغلّب أخوه على إفريقية عشر سنوات. لقد بقي يوسف مدّة طويلة تمادت إلى ما بعد مجيء عبد الرحمان الدّاخل لأنّه حاربه وحاول منعه من الوصول إلى السّلطة (٣) ، وكان الصّميل رأس مضرية الشّام يسانده مع أنّه قابل على المكر به ، لكن من الواضح أنّ الفهري له نصيب من المشروعية لدى أهل الأندلس كان يفقدها الصّميل.
وشهدت الفترة سنوات قحط ومجاعة وانتفاضات عديدة من القوّاد وكأنّهم ينزعون إلى انتصاب نوع من الفيودالية. هل كان ممكنا مع الفهري أن تفوز الأندلس باستقلالها وتكوين ذاتها. لقد حاولت ذلك إفريقية مع فهريّ آخر دون نجاح ، في هذه الفترة بالتدقيق لانعدام وجود حاجز بينها وبين مصر ، أهمّ الولايات الغربية. لقد كانت الأندلس أبعد ومقطوعة بالبحر ، لكن فاقدة تماما للاستقرار ولشرعية مقبولة تلتئم حولها. سيأتي عبد الرحمان الأموي بهذا المبدأ ـ فهو أموي وابن خلفاء ـ مبدأ الشرعية وإمكانية تأسيس سلالة حاكمة مقبولة من الجميع وخصوصا من أهل الشام. فوجود هؤلاء كان له تأثير بالغ. لكنّ عبد الرحمان كان عليه أن يقاوم كثيرا الثورات العسكرية ، بل أمضى أكثر عهده في ذلك (٤) ، ولعلّ
__________________
(١) في هذا الصدد ، انظر : الطبري ، تاريخ ، ج ٦ ؛ البلاذري ، أنساب الأشراف ، ج ٥ ؛ ابن الأثير ، الكامل ، ج ٤ ، ص ١٤٩ ، ص ٣٠٦ ـ ٣٣٣.
(٢) البيان المغرب ، ج ٢ ، ص ٣٦ ـ ٣٧.
(٣) البيان المغرب ، ص ٤٤ ـ ٤٧ ، ٤٨ ـ ٥٠ ؛ الكامل ، ص ٤٨٩ ـ ٤٩٦.
(٤) البيان المغرب ، ص ٥١ وما بعدها ؛ زيادة على انتفاضات القادة ، ظهرت ثورة كبيرة للبربر وعلى رأسها شنقا أعيت عبد الرحمان مدّة سنوات : الكامل ، ج ٥ ، ص ٦٠٥.