من أسباب ترسّخ الإمارة الأموية مع هشام ابنه والحكم حفيده ، وجود حاجز بعد تكوّن إمارة سجلماسة وبالأخصّ إمارة الأدارسة يحميه من الجحافل العبّاسية. في كلّ الغرب الإسلامي ، من إفريقية إلى الأندلس ، كان نموّ الفكرة الأسروية والأميرية واضحا وسيأتي دور مصر فيما بعد مع ابن طولون ، لكنّ الخلافة استرجعت مصر في عهد المأمون.
إنّ تفجّر أزمة كبيرة في آخر خلافة هشام بن عبد الملك لم يطل فقط قلب الإمبراطورية ، الشّام والعراق وخراسان والحجاز ، بل كلّ البلاد الإسلامية لأنّ الأزمة لم تكن فقط انتقال الحكم من أسرة إلى أخرى ، بل كان وراء تلك" الدّولة" ـ أي التغيّر ـ قوى كبيرة وعميقة تفجّرت بهذه المناسبة : إيديولوجيات ، مطامح جماعات عرقية أو سياسية ـ دينية ، أو مطامع بسيطة من أولي البأس والمقدرة. وقد تلتحم هذه القوى مع بعضها البعض ، كالبربر والحسني إدريس في المغرب الأقصى والبربر وبني مدرار ثمّ الرّستميين ، والأموي وجيش الشّام المهاجر إلى الأندلس ، والأغلبي وأهل إفريقية الطّامحين إلى الاستقلالية. إنّ المغرب والأندلس ـ أي الغرب المتأسلم الشّاسع ـ كان يرنو إلى هيكلة الذّات والدّخول في التاريخية. إنّ النّزوع إلى المشاركة في الحكم من أبناء فارس أعطى له العبّاسيون حقّه في صلب الدولة ذاتها ، والشّعوب المغلوبة الأخرى من أولي البأس مثل البربر التفّت حول قادة من أبنائهم كرؤساء الخوارج أو حول رموز كاريزمية مثل الحسني إدريس. أمّا في الأندلس ، فالعناصر الإفريقية القديمة وجيش أبناء الشام النازحين والقليل من أهل مصر لم يكن لهم أن يلتفّوا إلّا حول مبدأ أسروي كانوا تعوّدوا عليه وهم بنو أمية ، وبعد فهم معرّضون دائما لجهاد متواصل.
مع هذا ، فإنّ إطلاق طاقات التمرّد والعنف ولّد في منعطف المائة والثلاثين (١٣٠ ه) حركات انتفاضية لم تنضب أبدا طيلة قرن أو أكثر ، سواء في إفريقية ما قبل الأغالبة أو في زمنهم أو في الأندلس قبل الأمويين وفي ظلّ حكمهم. كلّ عهد هذه الإمارات ممتلئ بثورات القوّاد والجند ،