إن المصنّف الشامل الذي أنجزه كل من كوبل Kubbel وماتفيف Matveiev (١) ، والذي يتوقّف في حدود القرن الثاني عشر ، يبيّن أنه على الأربعين مؤلّفا التي وقع ذكرها ، يوجد واحد وعشرون جغرافيا كانت مؤلفاتهم الأكثر ثراء من ناحية المادة ، ولكن لا يمكن الاستفادة من هذه المصادر استفادة حقيقية دون القيام بعمل نقدي مسبق.
ويجب على مؤرخ إفريقية السوداء أن يحوّل المؤلفات الجغرافية العربية إلى إطارها الثقافي الخاص ، فإلى أيّ مدى مثلا يمكن أن ينطبق هذا الوصف على الواقع الحقيقي ، وإلى أي مدى آخر لا يمثل فيه هذا الوصف سوى مواضيع مبتذلة للأدب بمختلف مركّباته؟ وما هو نصيب الإرث الإغريقي والإرث الإيراني ، والتقليد العربي الخاص ، وما هو نصيب تدخّل المجمّعين ونصيب الملاحظة الحسية؟
ولكن إلى جانب ذلك لا بد من تسليط النقد الداخلي على هذه النصوص ، أي انطلاقا من المعرفة المعمقة لتاريخ إفريقية مع الاحتراز من قراءة هذا التاريخ اعتمادا فقط على المصادر الجغرافية بالأساس (٢). ولكن لا يمكن قبول وجهة النظر الإيديولوجية البحتة للذين ـ وبحكم كرههم للإسلام ـ أو بحكم نظرتهم الإيديولوجية إلى هوية إفريقية منطوية على ذاتها البحتة فيرفضون النظر في المصادر الإسلامية على أنها أجنبية (٣) من مجموعة الجغرافيين الذين أعطوا
__________________
(١) L.Kubbel et V.Matveiev ,٠٦٩١ ؛ انظر أيضا : J.Cuoq.
(٢) انظر في هذا الصدد الموقف النقدي المتشدد ل ج. فروبنيوس J.Frobenius ، وكذلك موقف ج. روش J.Rouch في : Contribution a L\'histoire des Songhay, Dakar, ٣٥٩١ ، والذي يشهّر خاصة بالتحريف الإيديولوجي للكتب الإخبارية السودانية.
(٣) صحيح أن هذه النصوص تنطبق خاصة على الحزام السّوداني ، ولذلك فإن القراءة الأحادية الجانب للمصادر العربية دون اللجوء إلى علم الآثار يمكن أن تؤدي إلى تمشّ خاطئ ، غير أنه من الخطأ القول بأن المؤلفين العرب تنقصهم الموضوعية. أما أن نلومهم على أن كتاباتهم تختص بالتجزئة والاضطراب ، فمعنى هذا التخلي عن وجهة نظر المؤرخ المحض ، للأخذ بوجهة نظر مؤرخ الأدب. وتوجد أحكام دقيقة عند ليقيتسيون N.Levtzion ، وكذلك من المستحسن الرجوع إلى مداخلة هربك I.Hrbek في المؤتمر