كانت انتصارات الكاهنة الأولى صاعقة على العرب. وزحف حسّان على الأوراس مرورا بتيفاست (تبسّة). فعسكر على وادي نينّي قرب مسكيانة (وهي برج مسكيانة الحالي على بعد ٣٠ كلم من باغاي) ؛ ومن جانبها نزلت الكاهنة من الأوراس ، وسيطرت على باغاي فنهبتها وخرّبتها ثم زحفت على الجيش العربي. فكانت المعركة عبارة عن كارثة بالنسبة إلى العرب وحسّان الذين انسحبوا نحو الشّرق دون انتظار ؛ فطاردتهم الكاهنة «إلى حدود أبواب قابس» (٧٦ ـ ٧٧ ه). وقيل أنها أسرت عددا كبيرا منهم ، ثمانون من قادة العرب و «أعيانهم» ، ويضاف أنها أحسنت معاملتهم وأنها تبنّت أحدهم وهو خالد بن يزيد القيسي.
من جهته تراجع حسّان إلى برقة ، بعد هزيمته ، وهناك شيّد قصورا وحصونا ، خلّدت اسمه وبقيت مشهورة تحت اسم قصور حسّان. وبقي فيها من عامين إلى ثلاثة أعوام (٧٧ ـ ٨٠ / ٦٩٦ ـ ٦٩٩) كانت قد انفلتت خلالها كل إفريقية منه.
أمام سقوط قرطاج ، لم تبق بيزنطة جامدة ساكنة ، إذ جنّد من جديد قيصر بيزنطة «ليون» أسطولا حربيا قاده البطريق جان ، وفي سنة ٦٩٧ استرجع اليونانيون قرطاج ، فحصّنوها من جديد واستردّوا كذلك قلاع البروقنصلية الأخرى.
أمّا عمل الكاهنة خلال هذه الفترة فقد ظلّ شديد التّعتيم ، فاستراتيجية سياسة الفراغ أمام الغازي العربي الذي كانت تشكّ في عودته ، فرضت سيطرتها على بلاد مزاق ، فخرّبت المدن والزراعات مستهدفة الأشجار المثمرة خاصة ، مدمّرة بذلك المنطقة لمدّة طويلة. «إنّ هذه المنطقة التي كانت على حد تعبير ابن خلدون ، تمتدّ من طرابلس إلى طنجة مكوّنة غابة شاسعة ظلّها كثيف وقراها متّصلة ، أصبحت خرابا». إنّ هذا التأكيد مبالغ فيه من كافة النواحي ، لأنه يجعل السّلب يمتد على كامل بلاد المغرب في حين أنه لا يمكن أن يتجاوز بلاد مزاق ، وأنّ الخراب النسبي في هذه المنطقة ، لا يمكن إسناده إلى عمل الكاهنة وحده. فبلاد