تكوّنت مملكة برغواطة في سنة ١٢٧ / ٧٤١ (١) ، وبعدها بسنتين في ١٢٩ انفصلت إمارة إسبانيا التابعة ليوسف الفهري عن القيروان وتأكد استقلالها الكامل في ١٣٧ هجري مع وصول الأموي عبد الرحمان بن معاوية (٢). وعرف المغرب الأوسط تأسيس مدينة وإمارة سجلماسة في ١٤٠ ه (٣) ، وبعد عشرين سنة من هذا التاريخ تأسست مملكة تاهرت (١٦١ ه) (٤) ، وأخيرا برزت المملكة الإدريسية الباهرة في ١٧٢ ه (٥) ، إذ تمزّق المغرب بصفة تدريجية ، غير أن العامل الأوّلي الخوارجي لم يكن هو الوحيد ، إنّما ساهم في الأزمة العامة الكبرى التي ضربت أسس الدولة الأموية. ففي ١٨٤ ه عند ما انتصب الأمير الأغلبي على العرش كان عليه أن يكتفي بإفريقية مماثلة لإفريقية البيزنطية (٦) (البلاد الطرابلسية ، تونس ، ونوميديا) ، بمعنى الجناح الشرقي للمقاطعة القديمة.
__________________
(١) البيان ، م. س ، ص ٧ ـ ٥٦.
(٢) م. ن ، ص ٣ ـ ٦٢.
(٣) ابن خلدون ، تاريخ البربر ، م. س ، ج ١ ، ٢٦١.
(٤) البيان ، ص ١٩٦.
(٥) م. ن ، ص ٣ ـ ٨٢.
(٦) مع ذلك ، ربّما قبل هذا التاريخ وبالتأكيد بعد أن وسّع الإمام الرستمي بتاهرت تأثيره على جبل نفوسة وعلى البلاد الطرابلسية وبعض المناطق جنوب البلاد التونسية كمطماطة وجربة وقستيليا حيث وصل إلى حدّ تسمية ممثلين أو عمّال من قبله. انظر حول هذا الموضوع ليويكي ، «وثيقة إباضية» ، مجلة فوليا أوريونتاليا ، م. س ، ص ١٨٤ ؛ نفس المصدر : «المؤرخون وأصحاب التراجم والرواة الإباضيون ـ الوهبيون بشمال إفريقية من القرن الثامن إلى الرابع عشر» : مجلة فوليا أوريونتاليا ، ج ٣ ، ١٩٦١ ، ١ و ٢ ، ص ١٤ ؛ الشماخي ، كتاب السّير ، القاهرة ٤ ـ ١٨٨٣ ، الذي نقل عن مؤرخين سابقين لعصره منهم أبو زكرياء ، فيحدّثنا في الصفحة ١٦١ عن الاتفاق الحاصل بين عبد الوهاب وعبد الله بن إبراهيم بن الأغلب في ١٩٦ ه ، فترك للأول مراقبة ميدان طرابلس من الجهة القارية. وفي مدوّناته البيوغرافية ، يبدو أن عديد الشخصيات قد مارسوا بصفة خاصة في القرن الثاني وظائف عامل على قابس ، وقفصة ، ونفوسة وغيرها. نحن نعطي للرواية الإباضية أقلّ بكثير من المصداقية من التي منحها إيّاها د. لويكي وسوف نرى عند دراسة المؤسّسات أن هناك أسبابا لاتباع الحذر العميق. غير أن الإشارات الحدثية أكثر وثوقا مما تؤديه التحديدات المؤسساتية وفي المقابل فإن اتساع الرقابة الإباضية هو محتمل بل قد يكون أكيدا.