المؤرخين. فيقول الدوري على سبيل المثال (١) إن «الأمير يراقب العملة ، ويضرب قطع الفضّة التي تحمل بصفة عامة اسمه» ، كما يصرح حسن حسني عبد الوهاب أن ضرب الذهب والفضة كان من اختصاصات الخليفة ويقوم الولاة بضرب العملة الصغرى النحاسية أو" الفلوس" وهي الوحيدة التي من حقهم أن يسجلوا عليها أسماءهم (٢). لكن هذين الرأيين يستحقان أن يكونا صالحين بقدر كبير. فنسجّل ضدّ الدوري أن الأمير لم يكن يضرب العملة الفضية فحسب ـ كحالة العراق والسلطات ما قبل الساسانية التي كان يسيطر عليها المعدن الأبيض ـ ولكن كذلك الذهب. وعلى هذا الأساس ، فإن أمير إفريقية أخذ في القرن الثامن الميلادي يضرب الدينار ونصف الدينار وثلث الدينار (٣). لكن لم تحمل العملة الفضية والذهبية اسم الوالي المحلي (٤) إلّا بصفة استثنائية في القرنين الأوّلين للهجرة.
بينما نثمّن ما ورد عن ح. ح. عبد الوهاب من أن ضرب العملتين الثمينتين من طرف والي إفريقية وفي المشرق كان شأنا عاديا في القرن الثامن. وهذا أمر طبيعي في بلاد كإفريقية كانت قديما بيد البيزنطيين وكان فيها الذهب المعدن السائد غير أنه لم يكن المعدن الوحيد. فالوالي كان يراقب العملة أيضا ، ويسجّل اسمه وذلك حسب توجيهات الحكومة المركزية ، دون أن يكون بإمكان الوالي ، على ما يبدو ، إدخال تغييرات هامة كما سيؤول إليه الوضع لا حقا مع الأغالبة.
__________________
(١) دائرة المعارف الإسلامية ، ط ٢ ، مقال" أمير".
(٢) ورقات عن الحضارة العربية بإفريقية التونسية ، تونس ١٩٦٥ ، ص ٤٠٨ ؛ نفس المؤلف ، «شاهد على الفتح العربي لإسبانيا» ، المجلة التونسيةCahiers de Tunisie ، ١٩٣٢ ، ج ١٠ ، ص ١٤٦.
(٣) والكر ، الفهرس ، م. س ، ص ٥٤ واللوحة ١٠.
(٤) البلاذري ، فتوح البلدان ، م. س ، ص ٤٥٤ ، يخبرنا أن الحجّاج ضرب في ٧٥ ه / ٦٩٤ م دراهم تسمى بغلية كتب عليها : «بسم الله. الحجّاج». انظر ما كتبه الأب أنستاز ـ ماري الكرملي في : النقود العربية ، القاهرة ١٩٣٣ ، ص ٣٤ ـ ٤٥.