تنقلب عليه فيها الأوضاع. صحيح أن عبارة السمعة الاجتماعية الأخيرة بقدر ما يمكن أن تشكل له دعامة وحافزا لتأدية القيادة فإنها كذلك معقدة جدا. فلا يمكن تقدير هذه السمعة فحسب بمطابقتها أكثر أو أقل لمثال أعلى معيّن (أن يكون شريفا منذ ولادته ، أن يكون أصله قرشيا ... إلخ) فيمكن أن يمنح ذلك الحاكم شرفا مضاعفا إذا كان مندمجا اجتماعيا.
وبما أن هذا الحاكم يكاد يكون دائما قادما من الشرق ، ويكون ضميره المستقلّ قد نما في إفريقية ، فعلى عكس المشرق فإن مساندة العشيرة لا تعني له الكثير. يبدو أن المهمّ هو قدرة الوالي على خلق شبكة ممتدة من الموالي مع التمكّن من استعمالها (١). مثال ذلك موسى بن نصير ويزيد بن حاتم ، فهذا الأخير من أصل عربي صريح وهو أرستقراطي أيضا ، والأوّل مولى. فقد تصرّف الاثنان لأكثر من نصف قرن كملوك أغنياء وكرماء جدا (٢). ومن الملاحظ أن إفريقية عرفت عددا كبيرا من الولاة الموالي (٣) ، نذكر أبا المهاجر دينار ، وموسى بن نصير ، ومحمد بن يزيد ، وإسماعيل بن أبي المهاجر ، وابن الحبحاب (٤).
وعموما تتأتى الأخطار التي تهدّد سلطة الولاية سواء من العامة والمجتمع أو من السلطة المركزية بالذات. لذلك يأخذ الوالي بعين الاعتبار المقاومات أو الانسحابات التي تظهرها الأرستقراطية المحلية. وقد ظهرت خلال الفترة الأموية ثم بعد ذلك وبصفة متأخرة انتفاضات الجند المتمردين ، هذا دون أن نتناول بالحسبان ثورات البربر التي كانت بكلّ بساطة تطرد الوالي من عاصمته وتخلف مكانه سلطة جديدة (٥).
__________________
(١) إن قراءة متمعّنة في البيان ، م. س ، تعطي مثل هذا الإحساس. انظر على سبيل المثال ، ص ٦٨ ، ٦٩ ، ٨٧ ، وغيرها ، وفي الفصول اللاحقة عند دراستنا للشرطة والحرس.
(٢) بالنسبة لموسى : البيان ، ص ٤٤ ؛ فيما يخصّ قصر يزيد المعروف : عبد الوهاب ، ورقات ، م. س ، ص ١٣١ ـ ١٣٢.
(٣) لاحظ دانّات Dennett ذلك من قبل : «الأسلمة الجزية في الإسلام المبكر» ، كمبريدج ، ١٩٥٠ ، Harvard Historical Monographs ,XXII ، ص ٣٩.
(٤) البيان ، م. س ، ص ٢١ ، ٢٢ ، ٤٧ ، ٥١.
(٥) بين ١٤٠ و ١٤٤ ه ، ظهرت بالفعل حكومة انتقالية من الخوارج ، فقد تصرّف أبو