فتستحق مسألة انتداب البربر أن نتوقّف عندها : فمنذ البدايات الأولى للفتح مع عقبة بن نافع وأبي المهاجر ، يمكن أن يكون قد التحق عدد من البربر الداخلين في الإسلام (١) بصفوف الجيش العربي. وبهدف تهدئة الأوضاع استخدم حسّان نظام الرهائن وانجرّ عن ذلك اندماج الأتباع من البربر بدرجة عالية في الجيش ؛ فتقول المصادر إنه انتدب فيلقين يتركب كل واحد من ٠٠٠ ، ٦ رجل ، قدموا من مختلف القبائل البربرية (٢). غير أن موسى بن نصير استخدم هذا النظام بشكل محتشم وأردف إليه نظام الولاء (تكوين مكثّف لروابط التبعية) ونجح بذلك في تضخيم جموع جيوشه (٣).
ونحسّ منذ البدء بشيء من المفارقة (٤) ، كأن نرى هؤلاء البربر أعداء الأمس اللدودين يتسابقون لدخول جيش المنتصر عليهم ، بمعنى الزحف نحو الجهاز الذي استرقّهم ، وهو نفس الجهاز الذي حرّرهم : فقد كان البربر يقومون بذلك لإعفائهم من الجزية فيتركون بأنفسهم مجالا من أجل جذبهم لطعم الغنائم. فقد كانت إذا مؤسسة الجيش في إفريقية وسيلة جبّارة لتحقيق الأسلمة. لذلك يتعيّن أن نضيف إلى الحاجة النظرية لاعتناق الإسلام كشرط لدخول الجيش ، التأثير الحقيقي الذي يمكن أن
__________________
(١) الإشارات الواردة في المصادر القديمة غامضة. كذلك لعلّ تأكيدات لحسين مؤنس تحتاج إلى تعديل ، فتح العرب ، م. س ، ص ٢٨٦ وما بعدها. لنا مع ذلك إشارات واضحة وسريعة في هذا السياق عند ياقوت ، معجم البلدان ، م. س ، ج ٤ ، ص ٤٢٠ ، ولا يذكر مصادره.
(٢) ابن عبد الحكم ، ص ٢٧١ ؛ البيان ، ص ٣٨ ؛ ابن الرقيق ، الورقة السابعة ؛ الدباغ وابن ناجي ، معالم الإيمان في معرفة أهل القيروان ، تونس ١٣٢٠ ه ، ج ١ ، ص ٦١.
(٣) الكتاب المنسوب لابن قتيبة ، الإمامة والسياسة ، القاهرة ، ١٩٠٤ ، ج ٢ ، ص ١٠٥ ، يميّز جيدا بين جيوش الديوان والمتطوّعة وبربر القبائل. فالأول هم جند من العرب مسجّلون بشكل منتظم في ديوان الجند. أما الثانون فهم متطوّعون بصفة فردية ، والأخيرون فيالق جماعية. نلاحظ أن هذا المصدر مزوّد بمعلومات هامة حول إنجازات إفريقية زمن موسى بن نصير ، ومن الممكن أن يكون استعمل رواية عرّف بها النصيريون بالذات.
(٤) ج. فلهاوزن ، الدولة العربية وسقوطها ، ترجمه إلى العربية م. ع. أبو ريدة ، القاهرة ١٩٥٨ ، ص ٣٠ ـ ٢٢٩ ، يؤكد جيدا على الموقع الأصيل لإفريقية في هذا الميدان.