إذن ، فما يذكره الصحابي في باب النزول إنّما يكون عن علم وجداني حصل عندهم بمشاهدة القضايا ، ووقوفهم على الأسباب ، فيكون إخبارهم عنها من باب الشهادة ، لا من باب الرواية والحديث .
فلا بدّ أن يكون حجّة عند من يقول بعدالة الصحابة بقول مطلق ، أو خصوص بعضهم ، من دون حاجة الى رفعها الى النبيّ صلّی الله عليه وآله وسلّم ، فهي من قبيل رواية الصحابة لأفعال الرسول صلّی الله عليه وآله وسلّم التي شاهدوها ، وحضروا صدورها منه ، فنقلوها بخصوصيّاتها ، فهي حجّة بالإجماع من دون حاجة الى رفعها الى النبيّ صلّی الله عليه وآله وسلّم .
فكلام الصحابي في هذا الباب ليس حديثاً نبويّاً كي يبحث فيه عن كونه مرسلاً أو لا .
وقد قيّد السيوطي مرسل الصحابي المختلف فيه بكونه « ممّا علم أنّه لم يحضره » (٣٥) ومعنى ذلك أنّ ما لم يحضره ونقله ، فلو كان فعلاً من أفعال النبيّ صلّی الله عليه وآله سمّي مرسلاً ، والّا فلا وجه لتسميته «حديثاً» فضلاً عن وصفه بالإرسال ، توضيح ذلك :
إنّ نزاعهم في مرسَل الصحابي إنّما هو في ما ذكره الصحابي من الحوادث التي لم يشهدها ولم يحضرها ، وامّا ما حضرها من الوقائع وشهدها من الحوادث ، فإنّها لا تكون داخلة في النزاع المذكور ، فإنّ ذلك ليس حديثاً مرسلاً ، لأنّ الصحابي لا يروي ولا ينقل شيئاً ، وانّما يشهد بما حضره ورآه ، وهو نزول الوحي في تلك الواقعة وغيره ممّا يرتبط بالنزول ، فلا يصحّ أن يقال أنّه حدّث وروى أو نقل شيئاً عن النبيّ صلّى الله عليه وآله ، حتى يقال أنّه أرسله ولم يرفعه .
ثانياً : وعلى فرض كون كلام الصحابي في أسباب النزول حديثاً مرويّاً ، نقول : إنّ حديث الصحابي ـ في خصوص باب أسباب النزول ـ ليس موقوفاً ولا مرسلاً بل هو مُسْنَد مرفوع .
قال الحاكم النيسابوري : ليعلم طالب الحديث أنّ تفسير الصحابي الذي شهد
____________________________
٣٥ ـ تدريب الراوي ( ص ١١٥ ) عن المستدرك للحاكم ، ونقله في ( ص ١١٦ ) عن معرفة علوم الحديث للحاكم .