بعضها ببعض طريق العربات الكثير التكويع والإلتفاف ، والأجراف الهائلة. على أنّك تستقبل في الساحة الأولى كنيسة السيدة ـ سيدة الجوزة ـ فتنذر لها نذر السلامة إذا كنت من المؤمنين ، وتستمرّ في العربة مصعّدا في ذلك الطريق اللولبيّ ، ولا خوف عليك إن شاء الله. أمّا إذا كنت من غير المؤمنين بالسيّدات القدّيسات وكنائسهنّ ـ وما أكثر كنائسهنّ في بيت شباب ـ فخير لك أن تسلك الجادات ذات الأبراج ، المتغلغلة في صميم البلدة ، فتعرّج في التوقّل على بيوت الصناعات ومعاملها. أما المشهد الطبيعيّ ، المنفصل عن الحالة الإجتماعية ، فهو من أعالي بيت شباب ، مشهد رائع في تنوّع أشكاله الجاثمة في أوديته ، المتسلسلة في روابيه ، المحصّنة بين أضلعه ، الحافلة بالدساكر والقرى. وما أجملها في هذا الموقف ، تلك القرى المغمورة بشمس الهجير ، فتبدو بقرميدها الأحمر خلال البساتين والغابات كجزر من المرجان في بحر من الزمرد واللازورد.
اشتهرت بيت شباب في خلال القرن التاسع عشر بصناعة الأجراس وبأعمال الحياكة وصناعة نسج الديما من القطن ، وقبل الحرب العالمية الأولى كان في كل بيت من بيت شباب نولان أو ثلاثة. وكان الإنتاج من النسيج الوطني يضاهي الإنتاج من الحرير ، كميّة لا ثمنا. فيصدّر التجار منه إلى مصر وقبرص والأناضول. غير أن النول قد نكب في الحرب العالميّة الأولى وبعدها ، وكادت تضمحلّ صناعة الحياكة ، فقد طغت عليها الأقمشة الأوروبيّة المنسوجة على الأنوال الأوتوماتيكيّة. وكان في بيت شباب المعمل الوحيد لسبك الحديد في لبنان وفي شرقي البحر المتوسّط ، وكان يستعمل فيه الحديد الوطنيّ ، ثمّ درج على استيراد المواد الأوليّة من الخارج لتوقف استخراج الموادّ الأوليّة في لبنان ، ولأن الحديد الأجنبي أرخص ثمنا بيد أنّه ليس بجودة الحديد اللبناني.