ولم يكن الظّلم وترك الردّ مخالفة له ، لما حكم العقل بمؤاخذة الله وعقابه.
فإنّ القبح الذّاتي يكفي فيه محض استحقاق الذّمّ ، فيثبت من ذلك أنّ الظّلم حرام شرعا ، وردّ الوديعة واجب شرعا.
وما توهّمه بعض المتأخرين تبعا لبعض العامة من أنّ حكم العقل هو محض استحقاق المدح والذّم لا ترتّب الثّواب والعقاب أيضا ، الذي هو لازم حكم الشرع ، فلم يدلّ الحكم العقلي على الحكم الشرعي ، فهو مبنيّ على الغفلة عن مراد القوم من الحكم العقلي. وحسبان أنّ حكم العقل إنّما هو الّذي ذكروه في مبحث إدراك العقل للحسن والقبح ، قبالا للأشاعرة المنكرين لذلك. وقد عرفت أنّ العقل يحكم بأزيد من ذلك أيضا ، مع أنّ المستفاد من الأخبار الواردة في العقل والجهل أيضا ، هو ذلك وأنّه ممّا به يثاب ويعاقب ، وأنّه مما يكتسب به الجنان وغير ذلك (١) ، مع أنّه يمكن أن يقال : بعد ما ثبت أنّ لكلّ أمر من الأمور حكما من الله تعالى بالضّرورة والأخبار ، وثبت من الأخبار أنّها موجودة عند المعصومين (٢) ،
__________________
(١) عن أبي جعفر عليهالسلام قال : لمّا خلق الله العقل استنطقه ، ثم قال له : أقبل فأقبل ، ثم قال : أدبر فأدبر ، ثم قال : وعزّتي وجلالي ، ما خلقت خلقا هو أحب إليّ منك ولا أكملتك إلّا فيمن أحبّ ، أما إنّي إيّاك آمر وإيّاك أنهى ، وإيّاك اعاقب وإيّاك اثيب. كما في كتاب العقل والجهل الحديث الأوّل من «الكافي» ، وفيه أيضا ، الحديث (٣) عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : قلت له : ما العقل؟ قال : ما عبد به الرّحمن واكتسب به الجنان ، قال : قلت : فالّذي كان في معاوية؟ فقال : تلك النّكراء ، تلك الشّيطنة وهي شبيهة بالعقل ، وليست بالعقل. وغير ذلك من الأحاديث في ذلك الباب.
(٢) وقد ثبت عندنا بأنّهم صلوات الله وسلامه عليهم موضع الرّسالة ومهبط الوحي وخزّان العلم ومحال معرفة الله وحملة كتابه والمظهرين لأمره ونهيه. وعن هشام بن الحكم ـ