وإن لم يصل إلينا كلّها ، أنّ كلّ ما يدرك العقل قبحه فلا بدّ أن يكون من جملة ما نهى الله تعالى عنه ، وما يدرك حسنه لا بدّ أن يكون ممّا أمر به ، فإذا استقلّ العقل بإدراك الحسن والقبح بلا تأمّل في توقيفه على شرط أو زمان أو مكان أو مع تقييده بشيء من المذكورات ، فيحكم بأنّ الشّرع أيضا حكم به كذلك ، لأنّه تعالى لا يأمر بالقبيح ولا ينهى عن الحسن ، بل إنّه يأمر بالعدل والإحسان وينهى عن الفحشاء والمنكر.
وقد يقال (١) : إنّ الثّواب والعقاب إنّما يترتّبان على الإطاعة والمخالفة لا غير ، والإطاعة والمخالفة لا يتحقق إلّا بموافقة الأوامر والنواهي من الكتاب والسنّة ومخالفتهما ، وحيث لا أمر ولا نهي ولا خطاب ، فلا طاعة ، فلا ثواب ولا عقاب.
وفيه : أنّ انحصار الإطاعة والمخالفة في موافقة الخطاب اللّفظي ومخالفته دعوى بلا دليل ، بل هما موافقة طلب الشّارع ومخالفته وإن كان ذلك الطلب بلسان العقل.
ونظير ذلك أنّ الله تعالى إذا عبده نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم بواسطة إلهام من دون نزول وحي من جبرئيل عليهالسلام وإتيان كلام وامتثله ، فيقال : إنّه أطاع الله جزما ، فإنّ العقل فينا نظير الإلهام فيه صلىاللهعليهوآلهوسلم.
__________________
ـ قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام بمنى عن خمسمائة حرف من الكلام ، فأقبلت أقول : يقولون كذا وكذا ، قال : فيقول : قل كذا وكذا ، قلت : جعلت فداك هذا الحلال وهذا الحرام ، أعلم أنّك صاحبه وأنّك أعلم الناس به هذا هو الكلام ، فقال لي : ويك يا هشام لا يحتجّ الله تبارك وتعالى على خلقه بحجّة لا يكون عنده كلّ ما يحتاجون إليه. كما في «الكافي» باب ١٠٥ ح ٥.
(١) وهنا اعتراض على لازم الملازمة.