والقول (١) : بأنّ القدر الثّابت من الأدلة ، أنّ ما يجوز اتّباعه ويجب متابعته هو ما حصل القطع به أو الظنّ من قول المعصوم عليهالسلام أو فعله أو تقريره دون غيره ، فالكلام في هذا الدليل العقلي مثل الكلام في جواز العمل بالرّؤيا إذا رأى أحد أحدا من المعصومين عليهمالسلام وحكم بحكم ، ولا دليل على جواز العمل بهذا الحكم ، فهو كلام ظاهريّ ، إذ من يدّعي حكم العقل بوجوب ردّ الوديعة وحرمة الظّلم يدّعي القطع بأنّ الله تعالى خاطبه بذلك بلسان العقل ، فكيف يجوز العمل بالظنّ بخطاب الله تعالى وتكليفه ، ولا يجوز العمل مع اليقين به.
فإن كان ولا بدّ من المناقشة فليكتف في منع حصول هذا القطع من جهة العقل وأنّه لا يمكن ذلك (٢) ، وأنت خبير بأنّ دعوى ذلك بعيد عن السّداد.
ولا يرد هذا على من ادّعى ذلك ، إذ لم يدلّ دليل على امتناعه إن لم يسلم البرهان على وقوعه (٣) ، فإذا ادّعاه مدّع فكيف نكذّبه.
نعم ، لا نمنع تفاوت الأفهام في ذلك ، وندرة المواضع التي يستقلّ العقل بإدراك الحكم ، وذلك لا يوجب نفي الحكم ، رأسا ولا يرد نقضا على من جزم بذلك ، فإنّ كلّ مجتهد مكلّف بمؤدّى فهمه قطعيّا كان أو ظنّيّا ، ومعذور في خطأه.
ثم إنّ معنى قولهم : إنّ العقل والشرع متطابقان فكلّ ما حكم به الشّرع فقد حكم
__________________
(١) وهو للأخباريين فإنّهم ينكرون حجيّة إدراكات العقل ، وفي ذلك نزاع جاء في مباحث حجيّة القطع.
(٢) اي لا يمكن للعقل أن يدرك ما هو حسن أو قبيح عنده ، قبيح أو حسن عند الله تعالى.
(٣) أي أنّ مجرّد عدم ورود دليل على الامتناع يكفي في عدم ورود المناقشة وإن لم يثبت البرهان والأدلة على وقوع درك العقل بأنّ ما هو حسن أو قبيح عنده حسن أو قبيح عند الله تعالى أيضا.