به العقل ، وبالعكس ، إنّ كلّ ما حكم فيه الشّرع بحكم لو اطّلع العقل على الوجه الذي دعا الشّارع إلى تعيين الحكم الخاص في ذلك الشّيء لحكم العقل موافقا له ، وذلك لأنّ الحكيم العدل الذي لا يفعل القبيح لا يصدر عنه القبيح ، وترجيح المرجوح قبيح ، والترجيح بلا مرجّح محال (١).
فتعيين الوجوب مثلا للصلاة والزكاة ، وتعيين الحرمة للخمر والخنزير إنّما كان لجهة مرجّحة لذلك من حسن أو قبح ذاتي ، أو بحسب زمان أو مكان أو شخص.
وتلك الجهة علّة تامّة لاختيار ذلك الحكم إمّا بذاتها أو مع ملاحظة قيد من زمان أو مكان أو غيرهما. فلو فرض اطّلاع عقولنا على تلك العلّة على ما هي علّة لحكم فيه ، مثل ما حكم به لسان ظاهر الشّرع.
وما يتوهّم أنّه قد يكون في أصل الفعل رجحان ، لكنّه يأمر به امتحانا للعبد ، فهو لا ينافي ما ذكرنا ، إذ نفس الابتلاء أيضا مصلحة وإن لم يكن في نفس المأمور به مصلحة ، مع أنّه قد يكون المراد بالأمر محض (٢) الامتحان مثل حكاية إبراهيم عليهالسلام ، فالمصلحة إنّما هي في الامتحان لا في الذّبح (٣) ، مع أنّ الإيثار أمر مخصوص للامتحان أيضا دون أمر آخر جهة مقتضية ومصلحة معيّنة لأن لا يلزم الترجيح في إيثار ذلك الأمر للامتحان عدم إدراكنا إيّاها لا يدلّ على عدمها.
وبالجملة ، العقل تابع لما أفاده الشّارع ، فإذا اطّلع على طلب الفعل من حيث
__________________
(١) وهنا لصاحبه «الفصول» ص ٣٣٨ فيه كلام.
(٢) المحض على شيء خلص عن لا يشوبه شيء يخالصه. والظّاهر أنّ المعنى هنا قد يكون الأمر صوريّاً فقط لا يقصد منه وقوع الفعل من المكلّف وكما هو في المثال هنا في أمر إبراهيم بذبح إسماعيل عليهماالسلام.
(٣) راجع «الفصول» ص ٣٣٨ ، فقد علّق على هذا الاعتراض واعتبره واضح السّقوط.