وإنزال الكتب.
وليس معنى ذلك (١) إلّا أنّ العقل يدرك الأحكام الشرعية من أنّ الله تعالى يريد منهم العدل وردّ الأمانة وينهاهم عن الظلم والفساد ، وأنّ الصدق والتواضع والسّخاء والعفو حسن ، وأنّ الكذب والكبر والبخل والنّفاق قبيح ، وأمثال ذلك. فاللّطف إنّما هو لتعاضد العقل بالنقل حتى يكمل به البيان ويثبت به الحجّة.
وقد أورد (٢) على هذا القسم من الأدلّة العقليّة وجوه من الاعتراض سخيفة لا يليق كثير منها بالذكر أعرضنا عنها ، وأقواها أمور :
__________________
(١) أي ليس معنى وجوب اللّطف في إرسال الرّسل وإنزال الكتب.
(٢) وقد أورد ذلك الفاضل التوني الذي يظهر انّه أنكر الملازمة راجع «الوافية» ص ١٧٦.
وبعده أيضا السيد صدر الدين شارح «الوافية» ، وفي «هداية المسترشدين» ٣ / ٥٠٣ : وقد خالف فيه بعض العامة ، حكاه الزّركشي عن جماعة من العامة واختاره قال : وحكاه الحنيفيّة عن أبي حنيفة نصا ، وقد مال إليه صاحب «الوافية» من أصحابنا ، إلّا أنّه تردّد في المقام ، وكيف كان فلم يحكم بثبوت الملازمة المذكورة ، واستشكل في الحكم بثبوت الحكم في الشّريعة بعد استقلال العقل في الحكم بثبوت حسن الفعل أو قبحه ، وقد تبعه في ذلك السيد الشّارح لكلامه ، وقد ينسب الى بعض الجماعة المتقدّمة القول بإنكار الملازمة المذكورة وليس كذلك ، بل قد صرّح غير واحد منهم بثبوت الحكم إذا قضى به الضّرورة العقلية حسب ما مرّ ، نعم قد يومئ إليه بعض أدلّتهم وليس صريحا فيه ، فلا وجه للنسبة المذكورة. والسيد القزويني في حاشيته قال : ونقل ربما أدعي على خلافهما إجماع المخالف والمؤالف محصّلا ومنقولا في حدّ الاستفاضة القريبة من التّواتر بسيطا ومركبا على معنى أنّ كل من قال بحكم العقل قال بالملازمة بينه وبين حكم الشرع ، وكل من لم يقل به قال بها أيضا على تقدير حكم العقل فالأشاعرة أيضا داخلة في الإجماع المذكور إلا الزّركشي منهم على ما حكي.