أحدها : قوله تعالى : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً)(١) فإنّها تدلّ على نفي التعذيب إلّا بعد بعث الرّسول وتبليغه فلا يكون ما حكم العقل بوجوبه أو حرمته واجبا شرعيا أو حراما شرعيّا ، بل هو إباحة شرعيّة.
وردّ : بأنّ الواجب ما يستحقّ تاركه العقاب ، والحرام ما يستحقّ فاعله العقاب ، ولا ملازمة بين الاستحقاق وفعليّة الجزاء.
واعترض عليه (٢) : بأنّ الواجب الشرعي مثلا هو ما يجوز المكلّف العقاب على تركه ومع الجزم بعدمه لإخباره تعالى بذلك ، فلا تجويز فلا وجوب.
وفيه : أنّ هذا مناقشة في الاصطلاح.
واعترض أيضا (٣) : بأنّ الواجب الشّرعي مثلا ما يوجب فعله الثواب من حيث هو طاعة وتركه العقاب من حيث هو مخالفة ، وإخبار الله تعالى بنفي التعذيب إباحة للفعل فلا طاعة ولا مخالفة ولا وجوب ولا حرمة.
وقد ظهر دفعه ممّا مرّ من أنّ العقل يحكم بأنّ الله تعالى أمرنا بالفعل ونهانا فيحصل الإطاعة والمخالفة ، ولا ينحصران في موافقة الخطاب اللّفظي ومخالفته ، ودلالة نفي التعذيب على الإباحة فيه منع ظاهر.
وعلى القول بكون جميع الأحكام مخزونا عند أهله والانتقال من إدراك العقل إلى ما هو الموجود عند أهله ، فصدق الإطاعة والمخالفة أظهر ، فيصدق بعث الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم حينئذ وحصول التبليغ منه في هذا الحكم أيضا فيثبت الحكم
__________________
(١) الإسراء : ١٥.
(٢) المعترض يبدو هو الفاضل التوني على ما عرفت من قبل ، راجع «الوافية» ص ١٧٥.
(٣) والمعترض هنا السيد صدر الدين في شرحة «للوافية» راجع «هداية المسترشدين» ٣ / ٥٠٣.