وثانيها : الأخبار التي دلّت على أنّه لا يتعلّق التكليف إلّا بعد بعث الرّسل ، (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ)(١). وعلى أنّ على الله تعالى بيان ما يصلح للناس وما يفسد ، وعلى أنّه لا يخلو زمان عن إمام معصوم عليهالسلام ليعرّف النّاس ما يصلحهم وما يفسدهم (٢) ، وعلى : «أنّ الله يحتجّ على العباد بما آتاهم وعرّفهم ، ثم أرسل إليهم رسولا وأنزل إليهم الكتاب فأمر فيه ونهى ، أمر فيه بالصلاة والصيام» (٣) الحديث.
ولا يخفى ضعف الاستدلال بها ، ويظهر الجواب عنها ممّا قدّمنا ، فإنّ المراد من بعث الرسل هو التبليغ ولا معنى للتبليغ بعد إدراك العقل مستقلّا ، فإنّه تحصيل الحاصل.
نعم هو لطف وتأييد وتأكيد كموعظة الواعظين في التكاليف السّمعيّة الّتي صار كثير منها من ضروريّات الدّين ، مع أنّ البيّنة أعمّ من الشّرع ، والتعليل يفيد انحصار البيّنة في الشّرع وهو لا يتمّ إلّا فيما لا يدركه العقل.
سلّمنا الدّلالة لكنها مخصّصة بالأدلّة المتقدّمة ، وبيان ما يصلح ويفسد لا ينحصر في بيان الرسول ؛ فقد بيّن الله تعالى كثيرا من المصالح والمفاسد بسبب خلق العقل ، وتعريف المصلح والمفسد ينحصر في المعصوم عليهالسلام إذا لم يكن بحيث يدركهما العقل فهو في غير ما يستقلّ به العقل.
__________________
(١) الأنفال : ٤٢.
(٢) وقد ذكر ذلك بتمامه في «الوافية» ص ١٧٣ في الباب الرابع في الأدلّة العقلية ، وشبهه في «الفصول» ص ٣٤٣.
(٣) في «الكافي» كتاب التوحيد باب حجج الله على خلقه الحديث ٤ وفيه [وأنزل عليهم] وليس كما ذكر [وأنزل إليهم].